“وكالة الواحات”.. “تيه” مؤسسة تبتلع الملايير يُعقِّد “إحياء” نخيل الجنوب

هيئة التحرير29 سبتمبر 2024آخر تحديث :
“وكالة الواحات”.. “تيه” مؤسسة تبتلع الملايير يُعقِّد “إحياء” نخيل الجنوب

قرابة 6 أشهر على إطلاق استراتيجية جديدة لتنمية مناطق الواحات وشجر الأركان في أفق 2030 كانت كافية لكشف “تخبط” و”تيه” وزارة الفلاحة والوكالة الوطنية لتنمية مناطق الواحات وشجر الأركان في تدبير المجال الواحي بالمغرب بتراجعهما عنها (الاستراتيجية) دون تقديم أي مبررات “مقنعة”.

وبعد هذا الإلغاء الذي قرأه مهتمون بالشأن الواحي على أنه “قرار ارتجالي يعاكس شعارات تنمية الواحات”، ساد تخوف بين سكان هذه المناطق من أن تظل طموحات بعث حياة جديدة في واحات المملكة دون بوصلة استراتيجية تُوَجِّه السياسات العمومية الرامية إلى كبح آثار الجفاف والحرائق التي تلتهم آمال الآلاف بإنقاذ فضاءات ألفوا كسب قوتهم اليومي من جود نخيلها.

وإلى جانب استغراب المتتبعين لقضايا الواحات المغربية من “التراجع المفاجئ” لوزير الفلاحة عن استراتيجية تنمية الواحات المغربية، تصاعدت تساؤلات عن “النتائج الحقيقية للاستراتيجية السابقة خلال الفترة ما بين 2022/2012 بالنظر إلى الواقع المأساوي الذي تعيشه هذه الفضاءات الإيكولوجية الاستراتيجية، والتي كلفت ميزانية الدولة 125 مليار درهم”.

وفي مارس الماضي، وهو موعد إعلان مديرة الوكالة الوطنية لتنمية مناطق الواحات وشجر الأركان عن الاستراتيجية “المجهوضة”، احتفت “وزارة صديقي” ب”انخفاض معدل الفقر، من 13,4 في المئة سنة 2007 إلى 6.01 في المئة سنة 2022، واستثمارات عمومية بأزيد من 125 مليار درهم بين سنتي 2012 و2022، وارتفاع الناتج المحلي الإجمالي إلى حوالي 145 مليار درهم سنة 2021، بزيادة قدرها 49 مليار درهم تقريبا منذ سنة 2012″، وهي المعطيات التي يراها متتبعون لقضايا “واحات المملكة” على أنها “لا تعكس واقع المأساة الحقيقية بهذه المجالات”.

جمال أقشباب، رئيس جمعية أصدقاء البيئة بزاكورة، اعتبر أن “هذا الإلغاء يثير العديد من علامات الاستفهام لعدم تقديم الوزارة أو إدارة الوكالة لأي مبررات حول اتخاذها لهذا القرار”، مُرجِّحاً أن “يكون النقاش الذي خلفته الميزانية المخصصة للاستراتيجية الجديدة للوكالة في أفق 2030 لتنمية مناطق الواحات وشجر الأركان راجع إلى عدم تقييم الوزارة لنتائج الاستراتيجية السابقة التي كلفت ميزانية الدولة حوالي 125 مليار درهم دون أي أثر حقيقي وملموس على أرض الواقع”.

واعتبر أقشباب، في تصريح لجريدة “مدار21 الالكترونية، أن “هذه الميزانية التي توازي 12.5 مليار دولار بمعدل قرابة مليار درهم سنويا، خلال 10 سنوات (2022 إلى 2012)، هي ميزانية ضخمة”، مشددا على أنه “لا يمكن أن يقبل عاقل أن تستثمر كل هذه الأموال في وقت ترزح فيه الواحات المغربية تحت وطأة الجفاف الحاد والتنمية المعطلة”.

وسجل الفاعل البيئي أن “واقع الواحات اليوم يعكس بؤسا وفقرا وأميةً نخرت ساكنة هذه المناطق التي قاومت، بكل الطرق والإمكانيات، للحفاظ على هذا الفضاء الإيكولوجي والتاريخي الذي ينمي اقتصاد هذه المناطق ويوفر مصادر دخل لأهلها”.

وأجاب أقشباب وزير الفلاحة، الذي اعتبر أن مناطق الواحات وشجر الأركان سجلت تقدما ملحوظا يعكسه تحسن معظم مؤشرات التنمية، التي حققت أو تجاوزت أحيانا الأهداف المحددة في إطار استراتيجية تدخل الوكالة، بالقول إنه “هجرة أهل الواحات إلى هوامش المدن الكبيرة هي أكبر دليل على فشل هذه الاستراتيجيات والميزانيات السمينة لتنمية المجال الواحي”، واصفا تصريحات الوزير بخصوص التنمية في الواحات بـ”الكلام الفارغ الصالح للاستهلاك الإعلامي فقط”.

وانتقد المتحدث ذاته “تفرج الوزارة والوكالة على ارتفاع نسب الفقر والهجرة إلى مستويات قياسية والاكتفاء بعقد اجتماعات من المركز (الرباط) تُسوِّق لواقع يخالف الوضع المأساوي الذي تعانيهه واحات المملكة بشكل لم يسبق له مثيل”، مشيرا إلى أنه “حتى إذا كنا نريد أن نتحدث عن عوائد هذه الملايير فإن واحات قليلة جدا هي من استفادت من بعض الإجراءات والسياسات العمومية القاصرة”.

واستغرب الفاعل المدني ذاته “غياب أي وقع لهذه الأموال الطائلة على الوضع الاقتصادي والاجتماعي وحتى الإكولوجي للمجال الواحي”، مشددا على أن “السنوات الأخيرة عرفت موجات هجرة متكررة إلى درجة قرب خلو بعض القصور والدواوير الواقعة في الواحات من السكان بشكل كلي”.

وفي تشخيصه لوضعيتها، يضيف أقشباب عن الواحات الموجود في منطقة الجنوب الشرقي، أنه “لم يبق إلا وقت قليل لوصولنا إلى مستوى انقراض الواحات بسبب تدهور الأوضاع في غياب سياسات حقيقية تعالج القضايا الكفيلة بإحياء هذه المجالات الحيوية في مناطق الجنوب الشرقي”.

ولم يستثن تشخيص الفاعل المدني نفسه الإشارة إلى “دور الفياضانات الأخيرة في كشف واقع البينة التحتية في هذه المجالات الواحية التي دُمِّرت بالكامل بسبب هشاشتها”، مشيرا إلى أن “التساقطات القياسية، على الرغم من أهميتها بخصوص الفرشة المائية، إلا أن سيولها الجارفة قضت على منسوب الأمل الذي كان يمنع عدد قليل من الساكنة عن الهجرة واللحاق بالأفواج السابقة من مغادري هذه المجالات”.

وواجه المهتم بالشأن الواحي أرقام الوكالة على أن استراتيجيتها السابقة في واحات المملكة خلقت قرابة 124 ألف فرصة عمل في الفترة ما بين 2013 و2022 بالقول: “إذا كانت هذه الأرقام صحيحة، فندعو الوكالة ووزير الفلاحة إلى تشخيص أسباب هجرة آلاف المواطنين من هذه الفضاء”.

ولفت المتحدث ذاته إلى أن “تخبط الوزارة والوكالة الوطنية للواحات يسائل دقة سياساتها في هذا المجال”، مشيرا إلى أن “السؤال اليوم الذي يجب على وزير الفلاحة أن يعجل بالإجابة عنه هو: لماذا أُلغيت استراتيجية تنمية الواحات في أفق سنة 2030″، مرجحا أن “تكون مجرد مناورة من أجل الهروب إلى الأمام وعدم محاسبة الوكالة على طريقة تدبيرها لكل هذه الملايير من المال العام”.

ووصف المتحدث ذاته هذا الإلغاء على أنه “جريمة في حق الواحات وشجر الأركان”، رافضا “مبرر الوقوف من أجل إعادة ترتيب الأوراق والتأمل في نتائج الاستراتيجية السابقة التي كلفت الملايير من الدراهم خلال عشر سنوات دون أن تحقق أهداف ملموسة وتنمية حقيقية”.

الاخبار العاجلة