مرض “الإنهاك الرقمي” .. مشاكل صحية تستنزف الذهن والعاطفة

هيئة التحرير16 يونيو 2024آخر تحديث :
مرض “الإنهاك الرقمي” .. مشاكل صحية تستنزف الذهن والعاطفة

تُمثل حالات الإنهاك والإرهاق، التي قد تنجم عن التعامل الدائم مع التكنولوجيا، مشكلة صحية خطيرة؛ إذ يشكل وابل الإشعارات، التي لا تنتهي، وشعور المرء بوجوب الرد الفوري على الرسائل، وشلالات المعلومات الهائلة على وسائل التواصل الاجتماعي عبئا كبيرا على الصحة النفسية والذهنية.

وقد بات “الإنهاك الرقمي” اليوم أكثر انتشارا من أي وقت مضى، مع احتمال استمرار ارتفاع معدلاته بسبب سنوات الحجر الصحي الفائتة، وهو ما قد يؤدي في كثير من الأحيان إلى اضمحلال الخطوط الفاصلة بين الحياة الشخصية والمهنية.

استنزاف ذهني وعاطفي

يشير مصطلح “الإنهاك الرقمي” (Digital Burnout) إلى حالة الاستنزاف الذهني والعاطفي الناجم عن تمضية وقت زائد على الأجهزة الرقمية والأنشطة عبر الإنترنت، وهو يشمل حالات الإرهاق والقلق والشعور إما بالانخراط الزائد أو اللامبالاة، علما بأن هذه الأعراض قد تترجم أيضا إلى مشاكل جسدية مثل آلام الصدر والأمراض العضوية على المدى الطويل.

على سبيل المثال، أثناء يوم العمل العادي تكون أدمغتنا معرّضة لسيول من المعلومات المرهقة أثناء تنقلنا بين المهام عبر أجهزة متعددة، ما يُشعرنا بأننا في حالة “إلحاح” تغذي إفراز الأدرينالين، كأننا دائما “على الخط”، سواء كان ذلك من خلال المشاركة في اتصالات ’زوم‘، أو الرد على رسائل البريد الإلكتروني والرسائل النصيّة، أو مواكبة آخر أخبار قطاعنا على وسائل التواصل الاجتماعي. وقد أصبح الخروج من هذه الدوّامة أمرا أكثر صعوبة في عصرنا هذا، حيث بات العالم مترابطا إلى أبعد الحدود.

إدمان الدوبامين

هل سبق لك أن فتحت هاتفك الجوال بشكل تلقائي ونقرت على أحد التطبيقات، ووجدت نفسك فجأة تتصفّح دون وعي لمدة ساعات طويلة دون أن تدرك ذلك؟ أنت لست وحدك! وفقا لاستطلاع أجراه معهد ماكينزي للصحة في عام 2023، فإن أكثر من ثلث المشاركين من جيل “زد” يقضون أكثر من ساعتين يوميا على مواقع التواصل الاجتماعي، ولكن رغم ذلك يتربع جيل الألفية على عرش المستخدمين الأكثر نشاطا؛ إذ ذكر 32% أنهم يشاركون المنشورات على الأقل مرّة أو مرات عدة في اليوم؛ فهذا التفاعل المستمر عبر وسائل التواصل الاجتماعي يغذي رغبتنا في الدوبامين، وهو الناقل العصبي المرتبط بالمتعة والمكافأة.

تم تصميم منصات التواصل الاجتماعي على غرار ’تيك توك‘ و’إنستغرام‘ و’فيسبوك‘ كي تكون بمثابة “مصانع” للدوبامين؛ إذ تهدف “الإعجابات” والإشعارات وتنبيهات المحتوى الجديد إلى تفعيل شعور بالترقب والمكافأة، ما يدفعنا للالتصاق بشاشاتنا في “حلقة دوبامين” مفرغة تهدف إلى تغذية شعورنا بالمتعة عبر استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، التي تجعلنا نرغب بالمزيد، وبالتالي تبقينا رهنا لهذا السلوك القهري، الذي يترك عيوننا مسمّرة على شاشات أجهزتنا مرارا وتكرارا.

وكما توضح آنا ليمبكي في كتابها “أمّة الدوبامين” (Dopamine Nation) الذي حقّق مبيعات كاسحة، فإن هذه المنصات تستغل حاجتنا الفطرية للتواصل مع الآخرين، ولكنّها تتلاعب بمسارات الدوبامين كي تحوّل هذه الرغبة إلى عادة غير صحية.

تدابير لتقليل الوقت أمام الشاشات

رسم الحدود بوضوح: إنّ وضع حدود شخصية صارمة لاستخدام الهاتف الجوال يعتبر ممارسة من شأنها أن تفيد كثيرين، سواء كان ذلك بترك هاتفك في غرفة مختلفة ليلا واستخدام منبه قديم الطراز لإيقاظك في الصباح، أو وضع أطر زمنية محدّدة لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي (قد تكون 30 دقيقة أو ساعة بداية جيّدة). وتشكّل فترات الراحة المتكررة المفتاح لتقليل كمية المحتوى العشوائي الذي تتفاعل معه.

اختيار نوعية المحتوى الذي تتابعه: فكّر عميقا بمن تتابعه ومن يتابعك وما تقترحه الخوارزميات عليك من محتوى وأشخاص؛ إذ يمكنك التحكم بكل هذه الجوانب بسهولة، إلى درجة أنّك قد تشعر بانتعاش وتجدّد ذهني رائع عند توقفك عن متابعة المحتوى الذي لا يعنيك حقّا. تذكر أنه يمكنك أيضا تحديد قائمة “الأصدقاء المقربين” على “إنستغرام” واختيار من تريد مشاركة محتواك معه.

التخلص من عوامل تشتيت الذهن: جمعينا قد تراودنا الرغبة بإيقاف هواتفنا لبضع ساعات أو حتى أيام، إلا أن ذلك غير واقعي في عالمنا المعاصر، الذي بتنا فيه نعتمد على هذه الأجهزة من أصغر الأمور إلى أكبرها. لذا بدلا من ذلك، يمكنكم استخدام مزايا مثل “وضع التركيز” (Focus Mode) على “آي فون”، الذي يسمح لك بتعطيل وظائف معينة في أوقات مختلفة من اليوم.

أمّا بالنسبة لوسائل التواصل الاجتماعي، فهناك مجموعة كاملة من الإعدادات التي يمكن تغييرها لتبسيط ما نراه وما يمكننا الوصول إليه، بما يشمل حجب الرسائل المباشرة من الغرباء، وإدارة إشعارات الإعجابات والتعليقات، أو حتى ربما إيقاف تشغيلها تماما إن رغبت باتباع منهجية أكثر صرامة.

مكان العمل المناسب: إذا كنت تعمل من المنزل، حتى لو كان ذلك لأيام عدة في الأسبوع فقط، فمن المفيد أن تعيد النظر في التوازن بين عملك وحياتك الشخصية. وإذا وجدت أن هذا الواقع ليس على ما يرام، تحدث إلى مديرك وحاول التفكير بالطرق المتاحة لتحسين الوضع. وتذكر أن الوصول إلى مرحلة الإنهاك الرقمي قد يؤثر بشكل سلبي على جودة حياتك؛ إذ تعد الصحة الذهنية والنفسية في غاية الأهمية.

ومن شأن أي مدير جيد أن يحرص على مساعدتك في إدارة وقتك والحد من توترك بشكل أكثر فعالية. كما يمكنك أيضا التحدث إلى متخصّص مثل الطبيب أو الاختصاصي النفسي لمناقشة أي مخاوف وتقييم صحتك العامة.

وينبغي للمديرين أن يحرصوا على أن يستمتع الموظف بوقته بعيدا عن العمل في المساء وعطلات نهاية الأسبوع، وأن يكون قادرا على الانفكاك من أعباء المهنة ومشاغلها قدر الإمكان.

ولتحقيق هذا الغرض، ينبغي على سبيل المثال إتاحة جداول عمل مرنة للموظفين مع تقدير ودعم الحدود التي يختارونها لأنفسهم من خلال مناقشة ساعات عمل واضحة، مع عدم التوقع منهم الرد على رسائل البريد الإلكتروني بعد وقت معين.

ويشكّل الاستخدام المتوازن للتكنولوجيا جانبا مهمّا في الحفاظ على الصحة الذهنية، سواء في مكان العمل أو في المنزل، ولكافة الشرائح الاجتماعية والعمرية من الأطفال إلى البالغين. خذوا بضع دقائق اليوم لتغيير سلوككم بإيقاف تشغيل الإشعارات أو كتمها وستشعرون على الفور بأنكم أصبحتم أكثر خفّة وصفاءً وهدوءً.

الاخبار العاجلة