تذبذب أسعار “الغازوال” والبنزين صعودا ونزولا يحير السائقين المغاربة

هيئة التحرير18 مايو 2024آخر تحديث :
تذبذب أسعار “الغازوال” والبنزين صعودا ونزولا يحير السائقين المغاربة

يعيش السائقون منذ أشهر طويلة على وقع الحيرة والارتباك عند ولوج محطات الوقود، حيث لا ينفكون يلاحظون تغيرات في أسعار مادتي “الغازوال” والبنزين بين الفينة والأخرى، صعودا ونزولا، فيما تختلف المبررات المساقة لهم بهذا الخصوص، عبر القنوات الرسمية ووسائل التواصل الاجتماعي، فتارة ترتبط الزيادات بارتفاع أسعار برميل النفط الخام وتارة أخرى بتأثيرات الحرب الروسية على أوكرانيا، وغيرها من الأسباب، التي يحتمل بعضها الصحة، بينما يخالف البعض الآخر الواقع.

وسجلت أسعار المحروقات بحلول اليوم السبت انخفاضا متوسطه 40 سنتيما في اللتر، لينضاف إلى التراجع المسجل مع بداية الشهر الجاري بـ25 سنتيما في اللتر، ليستقر سعر لتر “الغازوال” عند 12.40 درهما والبنزين عند 14.65 درهما بالمحطات، مع فرق سعر في حدود 50 سنتيما من محطة إلى أخرى، حسب التوزيع الجغرافي والعلامة التجارية للموزع؛ علما أن تغير الأسعار غير مرتبط بموعد زمني محدد منذ تحرير السوق في 2016، إذ كانت المدتان المذكورتان قبل ذلك موضوع دعم عمومي في إطار صندوق المقاصة.

وبعيدا عن الجدل حول شبهات “تواطؤ” الموزعين بشأن الأسعار في المحطات، وتدخلات مجلس المنافسة من خلال تقارير تتبع السوق، يجهل أغلب السائقون كيفية احتساب أسعار البيع النهائي للمحروقات في المحطات، في ظل تحرير السوق، وعوامل أخرى، مرتبطة أساسا بتوقف مصفاة التكرير الوطنية الوحيدة “سامير” عن النشاط منذ سنوات، إذ لم يعد المغرب يستورد النفط الخام، وإنما المواد المكررة البنزين و”الغازوال”، وبالتالي فتحديد الأسعار لا يمكن ربطه بثمن البرميل، إذ أصبحت خاضعة لتغيرات “بورصة روتردام”.

بنية الأسعار

في غياب معطيات مضبوطة ودقيقة وعدم الإلمام بالعوامل المتدخلة في تحديد أسعار المحروقات، تنتشر المغالطات والمزايدات، ويتم ترويج عدد من المعطيات الخاطئة، التي تتحول عند بعض الأشخاص إلى حقائق لا يمكن التشكيك فيها أو دحضها. ويربط عدد من الأشخاص بين تطور أسعار برميل النفط الخام والأسعار المعلنة في محطات بيع الوقود، ويعتبرون أنه كلما انخفض سعر الخام يجب أن تسير الأثمان المعلنة في السوق الداخلي في الاتجاه ذاته، الأمر الذي يمكن أن يتحقق في بعض الحالات لكن ليس بالضرورة، بالنظر إلى أن لكل صنف من أصناف المحروقات سوقا خاصة به تخضع لقانون العرض والطلب.

وبالنسبة إلى محسن معتمد، خبير في تحليل بيانات الطاقة وتدبير المنشآت الصناعية، فسوق المحروقات تنقسم إلى أقسام، سوق للنفط الخام، وأسواق أخرى لـ”الغازوال” والبنزين والفيول وغاز البوتان، تحدد الأسعار داخلها بناء على حجم الطلب والعرض؛ “فكلما كان الطلب مرتفعا يزيد السعر والعكس صحيح”، موضحا أن “المقارنة بين سعر برميل النفط الخام والمواد المصفاة أو المكررة تجانب طبيعة المبادلات داخل مختلف الأسواق، حيث يمكن أن ينخفض سعر برميل النفط ويرتفع سعر ‘الغازوال’ أو البنزين أو هما معا، حسب مستوى الإقبال والوفرة؛ ولكل سوق أسعاره الخاصة به، التي قد لا تتأثر بالضرورة بسعر برميل النفط الخام”، ومشيرا إلى أن “المغرب لا يستورد النفط الخام منذ أن أغلقت ‘سامير’ أبوابها، بل يقتني كل احتياجاته من أسواق المنتجات الطاقية المكررة، ما يفرض تتبع الأسعار داخل هذه الأسواق، بدل سوق النفط”.

وأوضح معتمد، في تصريح لهسبريس، أن “الأسعار النهائية لبيع المحروقات تتشكل من جزء قار وآخر متغير، إذ تخضع المواد المستوردة لواجبات ضريبية، مثل الضريبة الداخلية على الاستهلاك، المحددة في 242 درهما للطن، والضريبة على القيمة المضافة بسعر 10 في المائة على قيمة الكميات المستوردة، إضافة إلى التكاليف الأخرى قبل الخروج من الميناء؛ علما أنه رغم أن معدلها قار ومحدد فإن قيمتها يمكن أن تتغير”، مؤكدا أنه “يضاف إلى ذلك هامش البيع بالجملة، الذي يظل متغيرا، حسب مستوى المنافسة بين الفاعلين في هذه السوق”، ومشيرا إلى “إمكانية إضافة 0.5 في المائة من سعر بيع الجملة، عبارة عن الضياع الذي يمكن أن يحدث خلال تفريغ الشحنة لدى بائع التقسيط، إضافة إلى 1.5 درهم للهكتولتر، مقابل الكميات التي يمكن أن تتبخر بفعل الحرارة، وهامش ربح بائع التقسيط الممثل في أرباب محطات الوقود”؛ كما اعتبر أن “كل هذه المكونات المتغيرة والثابتة تحدد في النهاية سعر البيع بالتقسيط في المحطات”.

ثمن “الغازوال”

خرج الحسين اليماني، الكاتب العام للنقابة الوطنية للبترول والغاز، ورئيس الجبهة الوطنية لإنقاذ المصفاة المغربية للبترول، بتحليل حول تغير أسعار المحروقات خلال النصف الثاني من الشهر الجاري، خصوصا “الغازوال”، الأكثر استهلاكا من قبل السائقين، إذ أكد أنه “بالاعتماد على متوسط الأسعار في السوق الدولية وعلى صرف الدرهم بالدولار، وبناء على الطريقة المعتمدة لتحديد أثمان بيع المحروقات للعموم قبل تحريرها في نهاية 2015، فإن سعر لتر المادة المذكورة لا يجب أن يتجاوز 10.95 دراهم، فيما يفترض أن يكون سعر لتر البنزين في حدود 12.83 درهما”، معتبرا أن “أرباح الموزعين في المادة الأولى تتعدى 2.4 دراهم في اللتر، وفي الثانية 3 دراهم في اللتر”.

وبغض النظر عن جدل أرباح الموزعين يمثل ثمن “الغازوال” هاجسا كبيرا للحكومة، التي تحاول التخفيف من حدة ارتفاعه في السوق عبر توجيه دعم خاص لمهنيي النقال الطرقي، وهو الوضع الذي يحملها حسب مراد أوعشا، متخصص في اللوجستيك والتجارة الدولية، تكاليف مهمة، خصوصا في ظل ارتفاع أسعار الاستيراد وفاتورة النقل واللوجستيك، مشددا على أن “الجهود المبذولة حاليا لم تتمكن من القفز بسعة التخزين إلى مستويات كافية، تؤمن للمملكة مخزونا إستراتيجيا من المادة المذكورة، التي تمثل 52 في المائة من سوق المحروقات، يغطي حاجيات استهلاك طويلة الأمد، بدل ثلاثة أشهر الحالية”.

وأكد أوعشا أن “البنية اللوجستيكية تتحكم بشكل كبير في أسعار المحروقات عبر العالم، خصوصا بالنسبة إلى الدول المستوردة، مثل المغرب، الأمر الذي يظهر من خلال تسابق المستوردين والموزعين على بناء وتوسيع مساحات تخزين مهمة في الموانئ”، مشددا على أن “الاضطرابات والتوترات الجيوسياسية الدولية حاليا تجعل عملة الاستيراد (الدولار) غير مستقرة، وبالتالي يمكن أن ترتفع أسعار المحروقات حتى وإن ظلت مستقرة في الأسواق الدولية إذا تطورت قيمة الدولار مقارنة بالدرهم؛ كما يمكنها أن تنخفض إذ قفزت قيمة الدرهم مقارنة بالدولار”، ومردفا بأن “الاعتقاد السائد بين العديد من مستهلكي المحروقات يفيد بأن محطات الوقود لا تخفض الأسعار بالمستوى الذي تتراجع به في الأسواق الدولية، حيث غالبا ما يتم الاستناد إلى أسعار برميل النفط الخام، وهو الأمر الذي يعتبر مجانبا للصواب”.

الاخبار العاجلة