العيد يطلق حركة سفر كبيرة من البيضاء إلى الجنوب الشرقي

هيئة التحرير10 يونيو 2024آخر تحديث :
العيد يطلق حركة سفر كبيرة من البيضاء إلى الجنوب الشرقي

مع اقتراب عيد الأضحى من كل عام يحزمون عزمهم قبل أمتعتهم في عمليات سفر فردية وجماعية صوب مناطقهم بالجنوب والجنوب الشرقي، لقضاء هذه المناسبة الدينية بين أسرهم وأهلهم.

تتحول هذه العملية، كلما اقتربت هذه المناسبة الدينية العزيزة على قلوب المغاربة، إلى موسم حقيقي للهجرة يتم الاحتفاء به والانخراط فيه بكثير من الحماس والهمة.

يتعلق الأمر بأسر كاملة أو أشخاص يقطنون بالعاصمة الاقتصادية، إما بشكل نهائي أو يقيمون بها بشكل مؤقت، لكن قاسمهم المشترك هو أنهم يعضون بالنواجذ على أصولهم الجغرافية وعاداتهم وتقاليدهم التي تجلبهم بشكل قوي كلما اقترب عيد الأضحى، أو “العيد الكبير”.

هذه الهجرة البشرية العارمة صوب مناطق الجنوب والجنوب الشرقي، التي لا تخطئها العين في كل المحطات الطرقية أياما قليلة قبل حلول هذا العيد، تختلف تماما في كثير من تفاصيلها ومراميها مع ما نسجته يد الكاتب السوداني الطيب صالح في روايته المشهورة “موسم الهجرة إلى الشمال”، التي تدور حول قصة “مصطفى سعيد”، الطفل اليتيم الذي يملك قدرة كبيرة على الفهم والتعلم، ولا شيء يربطه بقريته ولا حتى أمه، فيما يتنبأ له مدرسوه بالنبوغ، ويساعده المدير في التوجه إلى القاهرة ليتابع تعليمه الثانوي.

العكس يحدث بالنسبة لهؤلاء تماما، حيث يكون سبب هذه الهجرة من العاصمة الاقتصادية صوب الجنوب والجنوب الشرقي العلاقات الوطيدة والقوية التي تنضح بمنسوب كبير من الحنين والشوق، من جهة مع العالم القروي وأرضه، ومن جهة أخرى مع الأسر والأهل والأحباب.

في هذه الحالات يتحول الحرص الشديد على السفر خلال عيد الأضحى إلى “طقس” لا يمكن التخلي عنه في كل الظروف والأحوال، لأن الأمر يتعلق بعشق وحنين يصعب وصفه.

فحتى خلال فترة الجائحة لم تمنع “كورونا” هؤلاء من السفر أياما قليلة قبل حلول عيد الأضحى، إذ غامروا في هجرات فردية وجماعية محفوفة بالمخاطر الصحية وحتى مخاطر لها صلة بحركة السير، وهو ما يعكس التشبث بزيارة الأسر والأحباب والعودة إلى الأصول مهما كلف ذلك من ثمن.

فهذه الهجرات العكسية المؤقتة أو العودة إلى “البلاد” تتطلب ترتيبات كثيرة، لعل أهمها حجز تذاكر السفر مبكرا من مختلف محطات النقل الطرقي بالدار البيضاء، أو السفر عبر سيارات خاصة، ثم اقتناء ملابس العيد حتى للأهل والأحباب وهدايا كثيرة؛ كما أسر بذلك “عبد القادر”، المنحدر من طاطا، الذي يحرص على التوجه إلى “البلاد”، تاركا عمله بأحد الحمامات بالدار البيضاء.

فالسفر خلال عيد الأضحى، يضيف عبد القادر في تصريح صحافي، هو قطعة من الشوق للأهل والأحباب محفوفة بكثير من الحنين، خاصة مع وجود عادات وتقاليد هناك، دون نسيان الاحتفالات والأعراس التي تقام بمناطق الجنوب والجنوب الشرقي مباشرة بعد يوم عيد الأضحى، وهو ما يشكل فرصة للقاء الأحباب والأصحاب ضمن أجواء يغلب عليها الفرح واستحضار الذكريات الجميلة.

هناك إذن قواسم مشتركة تقريبا بين مناطق الجنوب والجنوب الشرقي في التعاطي مع الطقوس والتقاليد المتوارثة في صلة بهذه المناسبة الدينية، وهي التي تجلب الناس للحرص على السفر صوب مناطقهم، كما جاء على لسان عبد السلام، المنحدر من أحد دواوير زاكورة، ويشتغل بالدار البيضاء منذ سنوات.

أوضح عبد السلام، في حديث مماثل، أن ساكنة الجنوب والجنوب الشرقي، التي كانت مضطرة في وقت من الأوقات للهجرة من أجل العمل بالدار البيضاء، تتحدث عن الأسباب نفسها تقريبا التي تدفعها لمعانقة مناطقها مجددا خلال عيد الأضحى. ومن ذلك أجواء الاحتفالات والفرح هناك رغم بساطتها، وكثرة الأعراس، ولقاء الأحباب والأصدقاء، ونوعية الأكل (“القديد”، حل تقليدي يصنع محليا كي يعطي للحم الأضحية لذة رفيعة).

فهل يتعلق الأمر بنوع من “الكتارسيس” الذي يمارسه هؤلاء عن قصد أو غير قصد هربا من ضغوطات مدينة كبيرة بحجم الدار البيضاء؟.

لا شك أن للسفر فوائد خاصة ترجح ذلك، خاصة إذا كان مدفوعا بالشوق والحنين. كما يقول الإمام الشافعي: “سافر ففي الأسفار فوائد، منها تفرج هم واكتساب معيشة، وعلم وآداب وصحبة ماجد”.

الاخبار العاجلة