البنك المركزي يراهن على التكنولوجيا المالية لوقف نزيف “الكاش” بالمغرب

هيئة التحرير30 مايو 2024آخر تحديث :
البنك المركزي يراهن على التكنولوجيا المالية لوقف نزيف “الكاش” بالمغرب

هيمنت النقاشات حول التكنولوجيا المالية fintech على جانب مهم من جلسات النقاش والندوات المنظمة لمناسبة معرض “جيتكس إفريقيا” المغرب، الذي تحتضنه مراكش، حيث شارك بنك المغرب تجربته في تحفيز وتشجيع الإدماج المالي عن طريق الرقمنة مع دول إفريقيا جنوب الصحراء، خصوصا الجارة موريتانيا وغينيا. يتعلق الأمر بجلسة لتبادل الأفكار والخبرات واستعراض المشاريع المستقبلية، تحديدا فيما يخص تحسين مستوى الولوج إلى الخدمات المالية.

وسجلت جلسة النقاش التي سيرها مومار بالدي، رئيس جمعية “سين ستارت آب”، التي تضم 300 مقاولة ناشئة في السينغال، حضور عبد الرحيم بوعزة، مدير عام بنك المغرب، وسعادو بالدي، نائبة محافظ البنك المركزي بغينيا، وكذا سيدي محمد داكر، المستشار الخاص لمحافظ البنك المركزي الموريتاني؛ فيما ركزت الجلسة على مناقشة أوجه وصور تدخل البنوك المركزية في استعمالات التكنولوجيا المالية، وتحفيز ولوج المواطنين إلى الخدمات المالية، إضافة إلى تحفيز بيئة أعمال من المقاولات الناشئة على ابتكار حلول مالية عملية بتكلفة أقل.

وأجمع المتدخلون على أهمية الجانب التشريعي في تحفيز جهود الإدماج المالي، حيث نبهوا إلى ضرورة تحقيق التوازن بين المرونة القانونية وزجر حالات الغش والاحتيال، خصوصا عند تقنين المعاملات المالية المنجزة عبر القنوات والأدوات الإلكترونية؛ مثل التحويلات الفورية واستخدام الهواتف في عمليات الأداء والسحب، وتحويل الأموال، وكذا الدفع مقابل الخدمات الخصوصية والعامة. كما نبهوا إلى استمرار ارتفاع مستوى التداول بواسطة الأوراق النقدية “الكاش” في إفريقيا، على الرغم من البرامج والاستراتيجيات الخاصة بالرقمنة.

تقليص النقد

كشف عبد الرحيم بوعزة، مدير عام بنك المغرب، خلال مداخلة له بجلسة النقاش حول التكنولوجيا المالية، عن تغير سلوكيات الأداء لدى جزء كبير من المغاربة؛ سجلت عمليات الأداء عبر القنوات الرقمية نموا سنويا بمتوسط 13 في المائة خلال الفترة 2016-2019، قبل أن تتسارع خلال السنوات الأخيرة إلى 19 في المائة، وهو مستوى أعلى من المتوسط العالمي البالغ حوالي 13 في المائة.

وأضاف بوعزة أن الاتجاه الملحوظ الآخر هو انخفاض حصة الشيكات ضمن معاملات الأداء من 40 في المائة إلى 6 خلال 10 سنوات لصالح التحويلات، خصوصا التحويلات الفورية والبطاقات البنكية التي ارتفعت حصصها إلى 45 في المائة و34 في المائة على التوالي.

وفي هذا الصدد، أفاد مدير عام بنك المغرب، في تصريح لهسبريس على هامش الحدث، بأنه على الرغم من هذه التطورات الواعدة ما زال معظم المغاربة يفضلون الأداء بواسطة الأوراق النقدية “الكاش”، كما تظهر الدراسات والإحصاءات التي أجراها بنك المغرب.

وشدد المسؤول ذاته على أن معدل تفعيل الأداء بواسطة الهاتف المحمول محدود في نسبة 10 في المائة؛ فيما لم تتجاوز نسبة استخدام البطاقات البنكية في المعاملات الرقمية، رغم الزيادة، سقف 30 في المائة، مشيرا إلى أن “الكاش” حافظ على قوته وتنافسيته ضد الرقمنة، رغم مزاياها المتمثلة في تحصين الهوية ونقص التكلفة.

وذكر بوعزة، في سياق الحديث عن حلول لتقليص تداول “الكاش”، أن إمكانيات شركات التكنولوجيا المالية غير مستغلة بشكل كامل، معتبرا أن تحقيق أقصى استفادة منها فرض على البنك المركزي اعتماد نهج تجريبي يحفز طلب حاملي المشاريع؛ من خلال عقد شراكة مع صندوق الإيداع والتدبير للاستثمار، للتعاون في دعم حاملي الحلول المالية.

الاحتيال الرقمي

شكل الاحتيال الرقمي أحد أهم مخاوف تطوير التكنولوجيا المالية بالنسبة إلى البنوك المركزية في إفريقيا؛ وهو ما جاء على لسان سعادو بالدي، نائبة محافظ البنك المركزي بغينيا، التي أكدت على ضرورة التريث ودراسة أبعاد القوانين والنصوص التشريعية المعدة من قبل هذه البنوك لغاية تنظيم وتقنين المعاملات المالية الرقمية، خصوصا في ظل تنامي مخاطر تبييض الأموال والاحتيال والقرصنة الإلكترونية، بحيث لا تعوق التشريعات مسار تطور التكنولوجيا المذكور.

وفي السياق ذاته، اعتبر محمد داكر، المستشار الخاص لمحافظ البنك المركزي الموريتاني ومدير عام معهد الدراسات الاقتصادية، أن البنوك المركزية متحفظة بطبيعتها بشأن أي منتوج مالي جديد يلج الأسواق، موضحا أن صفتها كمقنن قطاعي يجعلها تتوخى الحذر باستمرار من مخاطر وتأثير أي ترخيص تمنحه لفائدة الخدمات المالية، مشددا على أن إدماج الرقمنة في القطاع المالي يمثل فرصة للدول الإفريقية من أجل تعزيز الإدماج المالي وتحقيق التنمية المستدامة، مستدلا على ذلك بوضعية موريتانيا، حيث نسبة الولوج إلى الخدمات المذكورة لا يتجاوز 20 في المائة.

وشدد داكر على أن الرقمنة ستساعد موريتانيا على رفع نسبة الإدماج المالي، خصوصا خلال الخمس سنوات المقبلة، موازاة مع تطور مشاريع البنية التحتية، تحديدا توسيع شبكة الربط بالأنترنيت التي ستسمح بتغطية المجال الجغرافي المفتقد لوكالات بنكية، وتعويض هذا الخصاص بواسطة التطبيقات البنكية على الهاتف المحمول التي ستساعد على تعزيز الإدماج المالي للمواطنين وتحقيق الاستفادة من مزايا نقص التكلفة والسرعة والموثوقية في المعاملات.

واعتبر الخبير الاقتصادي الموريتاني، في تصريح لهسبريس، أن التكنولوجيا المالية في مسار تصاعدي بإفريقيا وتحتاج إلى شجاعة من قبل الفاعلين في القطاع المالي، خصوصا من خلال تشجيع المقاولات المتخصصة في الحلول الرقمية، من أجل تقديم منتوجات مبتكرة تساعد على تسريع وتيرة الانتقال الرقمي في القطاعين المالي والبنكي، موازاة مع تعزيز جهود التوعية والتحسيس بأهمية استغلال الرقمنة في المعاملات.

الاخبار العاجلة