هل تتوفق الحكومة في خفض عجز الميزانية بواسطة “التمويلات المبتكرة”؟

هيئة التحرير13 مايو 2024آخر تحديث :
هل تتوفق الحكومة في خفض عجز الميزانية بواسطة “التمويلات المبتكرة”؟

أحدث تقرير صادر عن صندوق النقد الدولي حول مديونية المغرب سلط الضوء على وضعية المالية العمومية بالمملكة، خصوصا ما يتعلق بالدين العمومي وآفاق تطوره المستقبلية، حيث أشارت التوقعات إلى أن نسبة عجز الميزانية ستتراجع من 4.4 في المائة من الناتج الداخلي الخام في 2023 إلى 3 في المائة بحلول 2029، بفضل السيطرة المتوقعة على النفقات والعائدات؛ إلا أن هذه التوقعات أسقطت من حساباتها دينا خفيا.

ويتضمن قانون المالية 2024 بندا ضمن قوائم العائدات تحت اسم “التمويلات المبتكرة” (Financements innovants)، وهي الديون الخفية عند احتساب حجم المديونية العمومية للمغرب. يتعلق الأمر بمداخيل مبرمجة بقيمة 30 مليار درهم خلال السنة الجارية، مقابل 25 مليار درهم برسم السنة الماضية، حيث تتخذ هذه التمويلات شكل عمليات إعادة التأجير leaseback، وتهم أولا بيع الأصول الخاصة بمؤسسة عمومية من أجل إعادة تأجيرها خلال مرحلة ثانية.

وموازاة مع الخوصصة، مكنت الآلية التمويلية للدولة التي تم إطلاقها منذ 2019 من تعبئة مبلغ 55.51 مليار درهم برسم السنتين الماضية والجارية، حيث تم اللجوء إليها بدلا من الاقتراض، إلا أن هذا الوضع لا ينفي عنها صفة الدين؛ فيما يمكن أن تشمل شراكات بين القطاعين العام والخاص، أو حتى تحويل بعض أصول الدولة إلى سيولة من خلال عمليات الإيجار المؤجل، حيث يتم التنازل عن هذه الأصول التي يمكن أن تكون مبان إدارية أو مؤسسات تعليمية عمومية أو مراكز استشفائية جامعية لفائدة مستثمرين مؤسساتيين، على غرار صناديق التقاعد وشركات التأمينات، مقابل دفع سومة كرائية متفق عليها.

مطالب رقابية

طالب حزب العدالة والتنمية، المتموقع في المعارضة حاليا، الحكومة بوقف بيع أصول الدولة في إطار “التمويلات المبتكرة”، دون إطار قانوني يضمن الشفافية ويحدد قواعد الاستعمال وأوجه الصرف، حيث حذر من مخاطر قانونية ومالية وميزانياتية ستؤثر على ضبط عجز الميزانية والمديونية وعلى السوق المالية؛ فيما دعا إلى طرح إطار قانوني واضح ينظم نشاط هذا النوع من التمويلات قبل الاستمرار في استغلالها بسرعة.

وبهذا الخصوص، نبه محمد أمين الحسني، خبير اقتصادي، إلى تأثيرات “التمويلات المبتكرة”؛ مثل بيع أصول الدولة عبر عقود إيجار طويلة الأمد، حيث يمكن أن تكون متنوعة ومعقدة حسب السياق الاقتصادي والسياسي الذي تمر منه الدولة، موضحا أنه يمكن لهذه التمويلات تقليص عبء الدين العمومي إذا تم استخدام عائداتها لسداد الديون أو لتمويل مشاريع جديدة؛ ما يؤدي بشكل مباشر إلى تحسين توازن الميزانية العمومية، وتقليل الضغط عليها.

وأكد الحسني، في تصريح لهسبريس، أن التمويلات المبتكرة يمكن أن تساهم في تحفيز الاستثمارات في القطاعات الحيوية؛ مثل البنية التحتية والتكنولوجيا والصناعات الجديدة. وبالتالي بما يعزز نمو الاقتصاد وإحداث فرص شغل جديدة، مشددا في المقابل على مخاطر الاعتماد الخارجي عند بيع أصول الدولة في إطار عقود إيجار طويل الأمد، حيث يتم التقييم ليس فقط على القدرة الحالية للدولة على سداد الديون، ولكن أيضا، على ملاءتها المستقبلية في تحقيق المداخيل المستمرة.

سوق السندات

إذا كانت “التمويلات المبتكرة” تخفف الضغط على الميزانية العمومية وتغطي عمليات تمويل الاستثمارات والمشاريع، فإنها تشكل في المقابل ضغطا على معدلات الفائدة في سوق السندات، نتيجة تحول طلب المستثمرين من الأدوات التمويلية التقليدية إلى هذه الفئة من التمويلات؛ ما يؤدي إلى اخفاض في طلب السندات العادية، وضغطا تصاعديا على أسعارها.

والنسبة إلى رشيد قصور، خبير في المالية العمومية، يمكن أن تؤدي “التمويلات المبتكرة” إلى رفع مستوى المنافسة بين رؤوس الأموال على الأسواق المالية، مستدلا على ذلك بقيام شركة أو حكومة بإطلاق شكل جديد من التمويل يجذب المستثمرين بعوائد أعلى أو فوائد فريدة، حيث قد يقلل ذلك من رغبة الاستثمار في السندات التقليدية؛ وبالتالي، فمن أجل جذب المستثمرين قد يضطر مُصدرو السندات إلى تقديم عوائد أعلى، ما ينعكس في زيادة بأسعار السندات.

وأوضح قصور، في تصريح لهسبريس، أن “التمويلات المبتكرة” لها، أيضا، تأثيرا على الجو العام في السوق المالية؛ فإذا كانت الأدوات الجديدة أو المبادرات معتبرة كعلامات على حيوية اقتصادية أو على روح الابتكار يعزز ذلك بشكل مباشر ثقة المستثمرين ويقلل من الطلب على السندات كاستثمار آمن.

وتابع الخبير في المالية العمومية أن هذا الوضع يمثل ضغطا متسارعا على أسعار السندات نتيجة لتقليل الطلب، مشيرا إلى أن التأثير يمتد إلى السياسات النقدية والتنظيمية، حيث قد تتفاعل السلطات التنظيمية مع أشكال التمويل الجديدة عن طريق ضبط أسعار الفائدة أو تنفيذ سياسات للحفاظ على الاستقرار المالي، بما يؤثر على أسعار السندات.

الاخبار العاجلة