نور يكسر عتمة الإبادة.. الغزيّ حمد يصلح ألواح طاقة شمسية

هيئة التحرير9 نوفمبر 2024آخر تحديث :
نور يكسر عتمة الإبادة.. الغزيّ حمد يصلح ألواح طاقة شمسية

لم يبق صنف من الإبادة الجماعية إلا ومارسته إسرائيل بقطاع غزة المحاصر، فأجهزت على الفلسطينيين بالقتل والتجويع والتهجير ونسف المنازل وقطع الإمدادات عنهم، بما في ذلك توقيف العمل بمحطة توليد الكهرباء، لتزيد عتمة الظلم ظلاما.

إلا أن الفلسطينيين الذين انعدمت الخيارات أمامهم، راحوا يبحثون عن بدائل تعينهم على البقاء، فابتكروا حلولا جزئية لأزماتهم المتلاحقة، بما فيها أزمة انقطاع التيار الكهربائي.

في مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، أعاد الشاب محمد حمد (30 عاما) تفعيل ألواح الطاقة الشمسية المتضررة بفعل الغارات والهجمات الإسرائيلية المتواصلة ضمن حرب الإبادة، للتخفيف من تداعيات أزمة انقطاع التيار الكهربائي.

ومنذ أكثر من عام، يعيش سكان قطاع غزة في ظلام دائم جراء انقطاع التيار الكهربائي، بعد أن أوقفت إسرائيل محطة توليد الكهرباء الرئيسية عن العمل، وتدمير البنية التحتية والشبكات وخطوط الكهرباء.

وفي 7 أكتوبر 2023 ومع بداية الإبادة الإسرائيلية بغزة، أعلن يسرائيل كاتس الذي كان حينها وزيرا للطاقة والبنية التحتية، قطع إمدادات الكهرباء عن القطاع، كما أمر وزير الدفاع السابق يوآف غالانت بقطع إمدادات الماء والوقود، واصفا الفلسطينيين بأنهم “حيوانات بشرية”.

وأثرت تلك الإجراءات العقابية على محطات تحلية المياه والآبار، ما تسبب بأزمة مياه خانقة في القطاع، لتترك إسرائيل الفلسطينيين يقاسون العطش والجوع معا، وسط ظلام دامس، في إحدى أسوأ الكوارث الإنسانية في العالم.

وسط هذه الحالة المأساوية التي خلقتها تل أبيب، برزت الطاقة الشمسية كحلّ ضروري للفلسطينيين في غزة، لكن القصف الإسرائيلي المستمر ألحق أضرارا كبيرة بألواح الطاقة الشمسية، ما هدد هذا الحل البديل بالانهيار.

شعور بالمسؤولية

الشاب حمد يمتلك خبرة 12 عاما في مجال الكهرباء، خصص معظم وقته لإصلاح الألواح الشمسية المتضررة في خان يونس، عملا بالقول المأثور: “أن تشعل شمعة خير من أن تلعن الظلام”.

يقول حمد لمراسل الأناضول: “الكهرباء هي مهنتي ومجال شغفي، وفي ظل الإبادة الإسرائيلية أصبحت صيانة الألواح الشمسية أكثر من مجرد عمل، إنه واجب تجاه أهلي في قطاع غزة”.

وبفضل مهارته وابتكاراته، استطاع محمد أن يعيد العمل لعدد كبير من الألواح التالفة، في ظل نقص الأدوات والمعدات اللازمة، حيث اعتمد على حلول مبتكرة.

وبشأن تحديات عمله، يضيف الشاب المكافح: “بسبب الحصار الإسرائيلي نفتقر إلى القصدير الضروري للصيانة، فبتّ أقوم بتجميعه من الألواح التالفة وتذويبه لإعادة استخدامه، كما نواجه نقصا في مكاوي القصدير وساعات الفحص”.

ومصرا على عمله رغم التحديات السابقة، يقول: “مع ذلك لن أسمح لهذه التحديات أن توقفني عن القيام بعملي وواجبي تجاه أهلي المنكوبين الذين يحلمون ببريق الضوء وسط هذا الظلام القاتم”.

ولم يقف محمد عند حدود الحلول التقليدية، بل لجأ إلى استراتيجيات غير مألوفة لإصلاح الألواح الشمسية المتضررة.

فعندما يكون اللوح متضررًا بشكل كبير، يقص الجزء المتضرر للاستفادة من الجزء الصالح، وبالتالي تقليل قدرته التشغيلية بحيث يخدم للاستخدامات الأساسية كشحن الهواتف والإضاءة.

ويتابع محمد: “إذا كان اللوح بقدرة 320 وات كهربائي، أحيانًا أقوم بإجراء عملية صيانة بإزالة الجزء المتضرر وتحويله إلى 150 وات، بما يبقي المواطنين قادرين على الاستفادة منه بشكل جزئي، رغم انخفاض كفاءته بنسبة تتراوح بين 50 و70 بالمئة”.

وبفضل قدرته على الابتكار، تمكن محمد من تشغيل الألواح الشمسية المتاحة، حتى وإن كانت بقدرة متوسطة أو ضعيفة، ما وفر على العائلات التي لا تملك خيارات أخرى الكثير من الأعباء المالية الناجمة عن شحن الأجهزة في أماكن بعيدة عن منازلهم.

جهود أخرى

لم تقتصر جهود محمد على تقديم خدمات الصيانة فقط، بل حرص أيضًا على تعليم الزبائن كيفية استخدام الألواح المتضررة بطرق آمنة، حفاظاً على سلامتهم وسلامة أجهزتهم الكهربائية.

ومعبرا عن اعتزازه بصنيعه، ووقوفه إلى جانب المنكوبين في القطاع، يقول حمد: “رغم التحديات، أشعر بالفخر لأنني أساعد الناس على تجاوز هذه الأزمة أو التخفيف من حدتها. فكل لوح أقوم بإصلاحه، أعلم أنني أخفف من معاناة أسرة بأكملها”.

ويقف محمد أمام ورشته الصغيرة التي أقامها داخل خيمة صغيرة في منطقة المواصي غرب خان يونس، وهو يشرح لأحد الزبائن طريقة تشغيل اللوح الشمسي، حتى بقدرة أقل، ليستفيد منه بأقصى درجة ممكنة.

وتوقفت محطة توليد الكهرباء في قطاع غزة بشكل كامل عن العمل، بسبب نفاد الوقود واستمرار الإبادة الإسرائيلية، ما تسبب بكارثة إنسانية على جميع الصعد الحيوية الأساسية، كالقطاع الصحي الذي يحتاج إلى مصدر مستمر للكهرباء.

وبدعم أمريكي، تشن إسرائيل منذ 7 أكتوبر 2023، حرب إبادة جماعية على غزة خلفت أكثر من 145 ألف قتيل وجريح فلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قتلت عشرات الأطفال والمسنين.

وتواصل تل أبيب هذه الحرب متجاهلة قرار مجلس الأمن الدولي بإنهائها فورا، وأوامر محكمة العدل الدولية باتخاذ تدابير لمنع أعمال الإبادة الجماعية وتحسين الوضع الإنساني الكارثي بغزة.

الاخبار العاجلة