اعتبر محمد نبيل بنعبد الله، الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، أنه رغم كون المؤسسات السياسية في المغرب “قائمة وتشتغل، لكن هناك مشكل حقيقي في منسوب الثقة والمصداقية، وفي طبيعة الممارسات، وفي مدى قدرة الفضاء السياسي على خلق التعبئة الاجتماعية، وفي طبيعة علاقة المواطن بالسياسة”.
وشدد بنعبد الله، خلال كلمته في افتتاح الجامعة السنوية للحزب حول موضوع: السياسة أولاً.. لإنجاح المشروع الديمقراطي التنموي، على أنه “يجب الإقرار بأننا، فعلاً، أمام “أزمة للعمل السياسي”، مضيفا “حين نقول إن “السياسة ببلادنا في محنة أو في وضع حرج”، فإن ذلك ينطلق من كون الأمر فعلاً يثير القلق والتخوف”.
وأورد أنه منذ نهايات العقد الأول من هذه الألفية، وعوض الاستمرار في ذلك المنحى الإصلاحي “بدأت تظهر ملامح توجه يدفع في اتجاه “التحرر” من ذاك التعاقُد السياسي المثمر، “بمبرر أن القوى الوطنية الديمقراطية ليست مؤهلة ولا قادرة على مواجهة مد الإسلام السياسي، ولا على دعم العمق التحديثي والإصلاحي”.
وتابع أنه “في مفارقة عجيبة، ظهرت وتصاعدت انحرافات في الحقل السياسي، تتنافى تماماً مع المبررات التي استند إليها هذا الخطاب الجديد آنذاك”، لافتا إلى أن “ما يسر الأمر أمام تلك الانحرافات هو أن القوى الوطنية الديمقراطية (الكتلة أساساً) كان رد فعلها، عموماً، خافتاً وباهتاً، وكان موقفها غير موحد ولا حازم”.
وأبرز الأمين العام لحزب “الكتاب” أن التوجه المضر بالفضاء السياسي والبناء الديمقراطي، أفضى إلى بروز ثلاثة تجليات على درجة كبيرة من الخطورة على بلادنا، أولها “التراجع غير المسبوق لمنسوب ثقة المواطنين عموماً، والشباب خصوصاً، في الفضاء السياسي، في الفاعل الحزبي، في الجدوى من العملية السياسية والانتخابية، بما يمكن أن نسميه، اليوم، “مخاصمة حقيقية بين معظم المغاربة وبين الشأن العام”، اللهم تلك الاستثناءات التي تؤكد القاعدة”.
وأوضح أن التجلي الثاني “هو كون المؤسسات السياسية، عموماً، المنتخبة وغير المنتخبة، لم تعد تضطلع بأدوارها كما يجب وكما ينص على ذلك الدستور، وهي اليوم ليست معززة كما ينبغي بأفضل وأكفأ وأنزه ما يوجد في المجتمع من طاقات، مع استثناءات طبعاً”.
أما التجلي الثالث، يضيف بنعبد الله، هو “أننا أمام وضعية فراغ سياسي خطير، لا يمكن أن تملأه سوى تعبيرات عفوية، أو متطرفة، أو غير مؤطرة، رافضة تقريباً لكل شيء”.
وتابع أنه “يجب، بالمقابل، على تلك الأصوات التي تحترف الدفاع عن كل شيء وبأي شيء، ألا توجه لنا اللوم بأننا نسوّد الصورة. فخطابها التسطيحي والضيق الذي يخيّل لها أنها تدافع به عن البلاد وعن الاستقرار، إنما هو في الحقيقة خطاب مضر بالوطن وبالمؤسسات، يستهدف كل صوت ما يزال يحمل شيئاً من الحيوية، مما يزيد من تعميق أزمة الثقة”.
واستعجل بنعبد الله ضرورة وضع القوى السياسية، أهدافاً مشتركة لا تقبل الخلاف ولا الاختلاف “من أجل بعث الروح في قيمة ومكانة السياسة، وفي نبُل أدوارها، وفي قدرتها على أن تشكل المدخل المؤثر والعِماد الأساس لأي مشروع إصلاحي”.
ويتم ذلك بحسب بنعبد الله من خلال “بلورة كافة المقتضيات الدستورية، ومنها السعي التدريجي والمستنير نحو نظام ملكية برلمانية كما حددها الدستور، تكون فيه أدوار أساسية للمؤسسة الملكية، طبقاً لهذا الدستور، في إطار فصل السلط”.
كما دعا إلى “تقوية مكانة الحكومة المنبثقة عن صناديق الاقتراع والمجسدة فعلاً للإرادة الشعبية، حكومة تضطلع بالسلطة التنفيذية، كما ينص على ذلك الدستور، حكومة بصلاحيات فعلية تبلورها على أرض الواقع وتساءل عليها طبقاً لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة”.
وأضاف بنعبد الله ضرورة “برلمان يتشكل من أحسن الكفاءات السياسية الوطنية، ويمارس فعلياً وبشكل كامل، اختصاصاته في التشريع والمراقبة وتقييم السياسات العمومية”، إضافة إلى “لامركزية فعلية ومؤسسات ترابية منتخبة لها وزنها وصلاحياتها وإمكانياتها، ومتحررة من التقييدات”.
كما لفت إلى ضرورة “مجتمع مدني حي وقوي وفاعل ومبادر”، و”إعلام حر ومستقل، تبرز فيه المقاربات التحليلية والنقدية، الجادة والبناءة والعميقة”، وكذا “إعطاء دفعة قوية للحريات الفردية والجماعية، وللمقاربات الحقوقية، بالمعنى الشامل وغير القابل للتجزيء للحقوق، بجميع أصنافها وأجيالها”.