سجل تقرير حديث لمجموعة الأزمات الدولية أن إمكانية نشوب صدام عسكري بين المغرب والجزائر “ما تزال قائمة”، مشيرا ألى أنه ومنذ عام 2021، عندما قطعت الأخيرة علاقاتها بالرباط، بشكل أحادي، والبلَدان في حالة خلاف، ولحدود الساعة، ظلت مشاحناتهما محصورة في الميدان السياسي، داعيا الدول الغربية إلى أن تساعد في إبقاء النزاعات تحت السيطرة إلى أن يحين الوقت للتوصل إلى مصالحة.
وأكد تقرير المجموعة التي يوجد مقرها في بروكسيل، أن ضبط النفس المتبادل من البلدين والضغوط الأميركية ساعدا على احتواء التوترات بين البلدين، لافتا في نفس الوقت إلى أن الضغوط المتصاعدة يمكن أن تقوِّض الوضع الراهن، وأن عوامل المخاطرة تشمل سباق تسلح ثنائي، وانتشار المعلومات المضللة على الإنترنت، وارتفاع حدة التشدد بين الشباب في جبهة البوليساريو الانفصالية وتغيير الإدارات الأميركية.
واعتبر أنه على الجهات الفاعلة الخارجية أن تواصل التأكيد على أهمية حماية المدنيين بمنطقة الصحراء والسماح لبعثة الأمم المتحدة بالعمل على نحو فعال، إلى جانب الاستمرار في الحوار مع الحكومتين الجزائرية والمغربية، وضبط مبيعات الأسلحة، والمساعدة في إطلاق المحادثات التي ترعاها الأمم المتحدة لمنع حدوث مزيد من التصعيد.
وذكر تقرير مجموعة الأزمات الدولية، والذي اطلعت عليه جريدة “مدار21” الإلكترونية، أن البلدين تمكنا من تجنب مواجهة مسلحة رغم وقوع حوادث عدة في الصحراء كان من شأنها أن تؤدي إلى التصعيد، مسجلا أن الدبلوماسية الأميركية كانت فاعلا رئيسيا في الحفاظ على السلام بين الجارين.
وأوضح أن المعلومات المضللة على الإنترنت، وسباق التسلح الثنائي واقتراب تنصيب إدارة الرئيس المنتخب دونالد ترامب تشكل جميعها مخاطر، ومسجلا أن الدول الغربية يمكنها أن تساعد في إدارة الأزمة بالحد من نقل الأسلحة، ودعم المحادثات التي ترعاها الأمم المتحدة والضغط على شركات وسائل التواصل الاجتماعي للحد من خطاب الكراهية على الإنترنت في الجزائر والمغرب على حد سواء.
وأشار إلى أنه وعلى مدى السنوات القليلة الماضية، اتبع المغرب والجزائر على حد سواء مواقف أكثر حسماً في السياسة الخارجية. “ففي ظل حكم الملك محمد السادس، عزز المغرب نفوذه الإقليمي، ولا سيما من خلال التقدم الملموس في ملف الصحراء وتوسيع علاقاته الدولية”.
وعلى العكس من ذلك، يعتبر التقرير أن نفوذ الجزائر تراجع بعد إصابة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بسكتة دماغية في عام 2013 وقيام حركة احتجاجية مناصرة للديمقراطية في الفترة 2019-2021، التي أبقت السلطات مشغولة بالاستقرار الداخلي، وبعد وصول الرئيس عبد المجيد تبون، الذي انتخب عام 2019، للحكم، بدأت الجزائر محاولة إعادة مكانتها التاريخية في شؤون شمال إفريقيا ومنطقة الساحل.
وأورد أن نقض البوليساريو وقفا لإطلاق النار دام 30 عاماً في أواخر عام 2020، وبالتالي تعريض بعثة الأمم المتحدة العاملة في الصحراء منذ عام 1991. في عامي 2022 و2023، للخطر وهو ما جعلها تقول إنه يتعين عليها الانسحاب، الأمر الذي كان يمكن أن يضع القوات المغربية والجزائرية وجهاً لوجه على الحدود، ويزيد مخاطر نشوب حرب عبر الحدود على نحو دراماتيكي.
وأوضح التقرير المذكور أنه حوفظ على البعثة بفضل تدخل الولايات المتحدة، والذي خفف حدة التوترات، مبرزا أن إدارة بايدن حاولت منع نشوب صراع مباشر بتعميق انخراطها مع الأطراف الثلاثة الضالعة في الأزمة – الجزائر، والمغرب والبوليساريو. على العكس من ذلك، واجهت الحكومات الغربية صعوبة كبيرة في مساعيها الدبلوماسية، حيث علقت وسط لعبة صفرية بين الجزائر والرباط.
وأشار إلى أن إسبانيا وفرنسا حاولتا موازنة علاقاتهما لكنهما اصطفتا في النهاية مع المغرب، وعبَّرتا عن دعمهما للمبادرة المغربية للحكم الذاتي، معتبرا أن الطرفين استقرا على قواعد معينة للعبة (تستند في بعض نواحيها إلى التزاماتهما بموجب القانون الدولي) التي تشمل حماية المدنيين، والمحافظة على دور بعثة الأمم المتحدة على الأرض.
لكن في المقابل، أكد أن الراهن الهش يمكن أن تصوغه عدة عوامل تنطوي على مخاطرة، وتشمل هذه العوامل دعوات من ناشطي البوليساريو الأكثر عناداً لاتخاذ عمل أكثر عدوانية ضد المغرب؛ وسباق التسلح بين الجزائر والرباط؛ وآثار الخطاب المنتشر على الإنترنت، واحتمال زعزعة إدارة ترامب القادمة للتوازن الاقتصادي الذي صاغه فريق بايدن.
وأوضح أنه مع وجود الولايات المتحدة في لحظة انتقال سياسي، قد تحتاج الحكومات الأوروبية إلى الاضطلاع بدور قيادي في المساعدة على إدارة التوترات بين الجارين، معتبرا أنه ينبغي عليهما وعلى الأطراف الخارجية الأخرى المهتمة تشجيع أطراف النزاع على جعل قواعد اللعبة الناشئة مقدسة، وتشجيع المزودين على معايرة الشحنات التي يرسلونها إلى الرباط والجزائر من أجل احتواء مخاطر نشوء سباق تسلح يزعزع الاستقرار، والمساعدة على إعادة إطلاق المفاوضات التي تقودها الأمم المتحدة بشأن الصحراء الغربية، وتشجيع منصات التواصل الاجتماعي على مراقبة المعلومات المضللة التحريضية.