ليس سهلا أن نتحدث عن محمد الشوبي من دون أن نستحضر ذلك المزج النادر بين الصنعة والإيمان، بين أن يكون الفن اختيارا وجوديا لا مجرد مهنة تمارس، وبين أن يتحول الممثل إلى ضمير ناطق بما يخفيه المجتمع ويجهر به الفن.
ولد الشوبي في 4 دجنبر 1963 بمدينة مراكش، المدينة التي تنفست فيها ذاكرته الأولى عبق الحكاية، وهناك، في أزقتها ومقاهيها ومسرحيات الهواة، انطلقت رحلته الأولى مع التشخيص المسرحي أواخر السبعينيات، وهو بعد في عتبة المراهقة، تواق لملامسة المعنى خلف الأداء.
احتك بتجارب مسرح الهواة وتفاعل مع نبض الخشبة، قبل أن يقرر، عن وعي مبكر، أن يحول الموهبة إلى معرفة، فالتحق بالمعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي بالعاصمة الرباط.
ومنذ سنة 1988، انفتح على المسرح الاحترافي، ممثلا ومخرجا، مستندا إلى تكوين أكاديمي عميق، نظريا وعمليا، صقل به أدواته ووسّع آفاقه.
شخص أدوارا في مسرحيات خالدة مثل “العازب” لجمال الدين الدخيسي، و”صوت ونور” للطيب الصديقي، و”بوحفنة” و”أولاد البلاد” ليوسف فاضل، و”النشبة” لمسعود بوحسين عن نص لأحمد الطيب لعلج. وفي الإخراج، ترك بصمته من خلال أعمال مثل “هيستيريا”، “المدينة والبحر”، “مرتجل”، و”رسائل خطية”.
لم يكن الشوبي أسير الخشبة فقط. فقد عبر إلى الشاشة، وبدأ مسيرته التلفزيونية مع مسلسل “أولاد الناس” تحت إدارة فريدة بورقية، ثم توالت أعماله لتشمل عشرات المسلسلات والأفلام، موزعة بين الدراما التاريخية والاجتماعية والإنسانية، متجسدا في شخصيات لا تنسى.
وفي السينما، شكل حضورا ثابتا منذ مطلع الألفية، وشارك في أفلام شكلت جزءا من ذاكرة المتفرج المغربي، من “منديل صفية” و”عود الريح”، إلى “جوق العميين”، “دموع الرمال”، “عاشوراء”، “عايدة”، “صمت الذاكرة”، “السمفونية المغربية”، و”ملاك”.
أما في التلفزيون، بصم على أعمال مثل “لالة فاطمة”، “الحياني”، “القضية”، “دار الغزلان”، “هاينة”، و”ولاد المرسى”، مساهما في تكريس مسلسل مغربي قادر على التماس وجدان الجمهور.
ورغم غزارة الإنتاج، لم يكن الشوبي فنانا يستهلك، بل كان، في كل أداء، يعيد بناء الدور من الداخل، بانضباطه الإنساني وموقفه الأخلاقي.
كان صريحا، ناقدا لواقع الوسط الفني، ومدافعا عن الكرامة قبل الأضواء. وفي أواخر أيامه، أطل من وجعه بنداء إنساني للبحث عن متبرع بجزء من الكبد، دون ضجيج ولا استعطاف، بل بكرامة الفنان الذي عرف كيف يحترق ليضيء دون أن يطلب مقابلا.
في 2 ماي 2025، غاب الشوبي عن الحياة بعد صراع مرير مع المرض، لكنه لم يغب عن الذاكرة. فقد رحل من الجسد، وبقي في كل مشهد أديَ بصدق، وكل حوار قيل بإحساس، وكل صمت حمله المعنى أكثر مما فعل الكلام.
كان محمد الشوبي ابن المسرح، ورفيق الكاميرا، وصوتا ضمن الأصوات القليلة التي ظلت وفية لحقيقتها. عاش فنانا كما أراد، ومات فنانا كما يجب أن يكون.