يروج فئة عريضة من الفنانين المغاربة في هذه الأثناء، لعروضهم المسرحية بمختلف قضاياها ومجسدي أحداثها، حيث اجتمع الرواد والشباب لإعادة الروح من جديد للهفة الخشبة، واعتلاء ركح يبقى في المسيرة الفنية ذكرى خالدة.
بين مسرحية “الفيشطة” التي تجمع ثلة من الفنانين الذين قدموا مسارا دراميا تلفزيا وحتى سينمائيا ناجحا، يعودون اليوم لإحياء ذكراهم مع المسرح، ويجوبون بها مختلف مدن المملكة، وسط اهتمام فئة عريضة من جمهورهم، وبين مسرح الحي الذي أعاده حسن فولان بمعية أصدقائه ليعيد لمسرح الحي وهجته من جديد. فلماذا يعود المشاهير إلى المسرح بعد نجاح تلفزي كبير؟.
في هذا السياق، يرى النقاد أن للمسرح دورا مهم في تنمية قدرات الفنان، حتى لو حقق شهرة واسعة في التلفزيون أو السينما، على الرغم من أن التلفزيون والسينما يمكن أن يقدما شهرة أسرع وأوسع، إلا أن المسرح يقدم تجارب فنية مميزة تساعد على تطوير القدرات الفنية بطرق لا يمكن أن يوفرها أي وسط آخر.
ويعتمد المسرح على الأداء المباشر أمام الجمهور، مما يتطلب من الفنان أن يكون مستعدا تماما، وأن يمتلك قدرة عالية على التفاعل اللحظي مع ردود فعل الجمهور، هذه التجربة تعزز مهارات التواصل الجسدي والصوتي لدى الفنان، إذ يجب عليه أن يسيطر على جسده وصوته للتأثير في الجمهور، بدون التقنيات التي توفرها السينما أو التلفزيون.
ويتفاعل الفنان في المسرح، مباشرة مع ردود فعل الجمهور، سواء كانت ضحكا أو صمتا أو تأثرا. هذا التفاعل يعزز من قدراته على قراءة المشاعر الإنسانية وفهم كيفية بناء العلاقة مع الجمهور بشكل حيوي، وهو شيء لا يحدث بنفس الطريقة في التلفزيون أو السينما، حيث يتم العمل في بيئات أكثر تكنولوجيا، ويعتمد على “مونتاج” لاحق.
ويعطي المسرح للفنان فرصة كبيرة للتحكم في أبعاد الشخصية وتطويرها، من خلال العمل على الدور في سياق حي وديناميكي. ويكتسب الفنان فرصًا لاكتشاف أبعاد جديدة في شخصيته، وتقديمه في أفق متجدد ومستمر، على عكس العمل التلفزيوني أو السينمائي، حيث قد يُفرض عليه توجيه معين بسبب التقنيات أو المونتاج.
ويوفر المسرح تنوعا كبيرا في الأدوار والشخصيات، فقد يؤدي الفنان العديد من الأدوار في موسم واحد، مما يسمح له بالاستكشاف وتجربة أساليب متعددة. وتمنح هذه التجارب، الفنان، مرونة في التمثيل، وقدرة على التنقل بين الشخصيات والألوان المختلفة بطريقة لا يمكن أن يتمتع بها في السينما أو التلفزيون.
وتتميز النصوص المسرحية بأنها عميقة وتحمل طابعا فكريا أو فلسفيا، مما يحفز الفنان على التفكير النقدي في مواضيع العمل ومضامينه.
غير هذا، فيتطلب المسرح مجهودا بدنيا ونفسيا كبيرا، ساعات طويلة من التدريبات، والعروض المتواصلة، وضغط الأداء الحي أمام جمهور، تسهم في تقوية قدرات الفنان على التحمل والتعامل مع الضغط. هذا يحسن من قدرته على العمل في ظروف صعبة، مما يعزز مرونته الفنية بشكل عام.
وهكذا، يمكن القول إن المسرح يشكل مدرسة فنية حقيقية تساهم في تنمية مهارات الفنان، وتعزيز وعيه الفني، وتوسيع آفاقه الإبداعية، مهما كان نجاحه في الوسائل الإعلامية الأخرى.