تصر الجارة الجزائر، وفي كل مرة يحرز فيها المغرب تقدماً دبلوماسياً في ملف قضيته الوطنية الأولى المتعلق بالصحراء المغربية، على الإثبات للمجتمع الدولي أنها بلا شك طرف رئيسي في نزاع مفتعل. وذلك يظهر جلياً من خلال تصريحات مسؤوليها، سواء تلك التي جاءت على لسان وزير خارجيتها والتي جددت فيها رفضها للمشاركة في الموائد المستديرة أو من خلال تلك التي نطق بها ممثلها بمجلس الأمن أمس الخميس.
وجواباً على سؤال حول أسباب هذا الرفض الجزائري للمشاركة في الموائد المستديرة رغم دعوات الأمم المتحدة المتكررة، قال أستاذ القانون الدولي والعلاقات الدولية، محمد تاج الدين الحسيني، إن النظام الجزائري اليوم تديره المؤسسة العسكرية، وبالتالي مواقفه لا تنبع من قناعة ذات مرجعية قانونية أو منطقية، بل تكمن فقط في شيء واحد وهو رفض كل ما يأتي من المغرب.
وسجل أن “حكام العسكر” ينظرون إلى المغرب بطريقة فوقية، “لأنه إذا لاحظنا التصريحات التي يعبر عنها مسؤولون جزائريون، ندرك أنهم أصبحوا يقولون إن الجزائر قوة ضاربة، وهذا في حد ذاته استعمال غير منطقي وغير دبلوماسي لمفهوم القوة، فالقوة الضاربة تعني أنها ستمارس العدوان وستستخدم القوة بطريقة ما”.
وأكد الخبير في العلاقات الدولية، في حوار مع جريدة “مدار21” الإلكترونية، أن النظام العسكري يعتبر أن “قوة الجزائر لا تكمن إلا في ضعف محيطها، وأن هذا النظام لا يرى فيه هذا المحيط إلا المغرب، وبالتالي، يفتح نافذة واسعة لتعزيز الصراع في مواجهة المملكة وسيلة للحفاظ على مصالحه في الداخل الجزائري”.
وأوضح الحسيني أن هذه العملية أصبحت معروفة ومكشوفة للمجتمع الدولي، لكنه في المقابل نبه إلى أن الخطأ الأكبر الذي يرتكبه النظام الجزائري هو أنه صار يصعد بشكل لم يسبق له مثيل حتى بين الكوريتين الجنوبية والشمالية. “فبعد إغلاق الحدود عام 1994، ومحاولة فتحها عام 2004 ثم إعادة إغلاقها، بلغ به الأمر أن يمنع مرور الطائرات المدنية، وبطبيعة الحال العسكرية، فوق ترابه، بما في ذلك طائرات المغاربة الذين يتوجهون إلى بيت الله لأداء الحج والعمرة. وهذا شيء خطير.”
وأردف في حديثه للجريدة موضحاً: “أكثر من ذلك، عمد النظام الجزائري إلى قطع العلاقات الدبلوماسية، وقبل أيام، أصدر قرارات سخيفة، منها فرض التأشيرة على المواطنين المغاربة، زاعماً أن جواسيس صهاينة أصولهم مغربية سيحصلون على جوازات سفر مغربية، ومن خلالها سيخترقون النظام الجزائري، معتصماً بحجج واهية عن اعتقال شخصين أو ثلاثة، ليس حتى في الجزائر العاصمة، بل في تلمسان، وهي مدينة ليس بها مؤسسات اتخاذ القرار”.
ووصف الخبير في القانون الدولي قرارات النظام الجزائري بالسخيفة، مؤكداً أنه لا يمكن أن يقبلها عقل بأي حال من الأحوال.
وخلص إلى أن رفض الجزائر المشاركة في الموائد المستديرة ينبع من كونها تريد أن تُظهِر أمام العالم أنها تدافع عن مبادئ سامية مثل حق تقرير المصير، وبالتالي فهي لا تتورط في هذه العملية بما في ذلك المفاوضات، معتبراً أن ذلك يجعلها تنهج سياسة النعامة، “لأن هذه الأخيرة تدفن رأسها في الأرض وتظن أن لا أحد يرى جسمها، وفي الحقيقة الجزائر مفضوحة لدى الجميع؛ فهي التي أسست البوليساريو، وهي التي منحتها موطناً في عقر دارها، وهي التي زودتها بكل الوسائل اللازمة، ولا تسمح لأي رصاصة أو قنبلة بالخروج من قلب تندوف إلا بموافقة الدرك والمخابرات الجزائرية”.
وقال إن هذه الأعمال والقرارات الصادرة من النظام الجزائري تتجاوز كل المقاييس وتضرب في العمق مبادئ حسن الجوار، وكذلك الاتفاقية التي وقعت بين بلدان المغرب العربي لبناء هذا الصرح المغاربي، التي تنص على أنه لا يحق لأي دولة من بلدان المغرب العربي تسليح جماعات معينة مثل الجماعات المسلحة للقيام بأعمال عدوانية تجاه الطرف الآخر.