شهدت القراءة الثانية لقانون الإضراب في مجلس النواب، مساء أمس الثلاثاء، ظهورا جديدا للخلافات بين نواب الأغلبية، التي اعتبرت المشروع إصلاحًا يحقق التوازن بين الحق النقابي والاستقرار الاقتصادي منوهة بشجاعة الحكومة ووزير التشغيل يونس السكوري، وبين المعارضة، التي رأت فيه تقييدًا للإضراب وإقصاءً للحوار الاجتماعي، منبهة إلى أنه يعد “انتكاسة حقوقية”.
وصادقت لجنة القطاعات الاجتماعية بمجلس النواب، مساء أمس، بالأغلبية على مشروع القانون التنظيمي رقم 97.15 المتعلق بتحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب في قراءة ثانية بعد إحالته من مجلس المستشارين الذي صادق عليه في الجلسة العامة. وصوت لصالح مشروع قانون الإضراب كما أحيل من مجلس المستشارين، 11 نائبا، فيما رفضه 7 نواب، فيما لم يصوت بالامتناع أي نائب.
قانون الإضراب.. انتكاسة حقوقية
وقالت فاطمة التامني، النائبة البرلمانية عن فيدرالية اليسار الديمقراطي، إن المنهجية المعتمدة في هذا القانون، مع الأسف، احتكمت لسلطة الأغلبية ولم يتم احترام منهجية التوافق داخل مؤسسة الحوار الاجتماعي.
وأفادت التامني بأن النقابات أعلنت عن خوض إضراب في القطاعين العام والخاص، وهو ما يؤكد غياب التوافق بشأن المنهجية، وأن التعديلات التي تم إدخالها في مجلس المستشارين ليست جوهرية. واعتبرت أن التسريع بإخراج القانون يهدف إلى زيادة الكم في القوانين فقط، قائلة: “أنتم تمرون إلى السرعة القصوى للإجهاز على حقوق المغاربة”.
وفي سياق متصل، أكد مصطفى الإبراهيمي، عن المجموعة النيابية للعدالة والتنمية، تقديره للمجهود المبذول من طرف الوزير، لكنه شدد على أنه لا يمكن التعامل مع الوضع وكأن شيئًا لم يحدث، لافتًا إلى أن النقابات لم تصوّت لصالح المشروع في مجلس المستشارين، بل أعلنت عن إضراب عام دعت إليه نقابات وازنة، ما يؤكد وجود إشكال في الصيغة التي قُدّم بها القانون.
وأضاف الإبراهيمي أن التعديلات الجوهرية لم تقنع النقابات، مشيرًا إلى أن الحكومة الحالية لم تُبدِ الشجاعة المطلوبة في إحالة قوانين التقاعد والنقابات والتعاضديات..، متحديا الحكومة والأغلبية أن تستطيع إخراج قانون التقاعد وأن بعض التعديلات التي قُدّمت في مجلس النواب رُفضت بينما قُبلت في مجلس المستشارين، ما يجعل موقف المجموعة سلبيًا من هذا القانون.
من جانبه، انتقد سعيد بعزيز، النائب البرلماني عن الفريق الاشتراكي-المعارضة الاتحادية، عدم التزام الحكومة بوعودها، موضحًا أنه منذ بداية المناقشة العامة والحكومة تتعهد بفتح حوار جاد ومسؤول مع النقابات، إلا أنها لم تفِ بذلك.
وأشار بعزيز إلى أن المعارضة طالبت بقانون النقابات وقانون الحوار الاجتماعي، لكن الحكومة قدّمت مشروع القانون الحالي دون توافق مع المعنيين. وشدد المتحدث أن الديمقراطية ليست مجرد أغلبية عددية، بل الاستماع للمجتمع، مشددًا على أن التاريخ سيسجل على هذه الحكومة انسحاب النقابات من المصادقة على قانون الإضراب ولجوءها إلى الشارع والإضراب العام. كما اعتبر أن بعض بنود القانون، مثل شرط التمثيلية فيه تقييد التعددية النقابية، مشددا “نحن أمام انتكاسة حقوقية لم يسبق لها مثيل”.
السكوري وزير سياسي..
أما رشيد الحموني، رئيس فريق التقدم والاشتراكية، فقد اختار الاستقرار على نفس الموقف الذي سبق أن عبر عنه في مجلس النواب خلال القراءة الأولى للقانون، مغدقا المديح على الوزير يونس السكوري، ومنهجيته في المشاورات التي أسفرت قانونا ينهي فراغا امتد عقودا من الزمن.
وأكد الحموني في كلمته على ضرورة الاعتراف بالمجهود الذي بذلته الحكومة، مشيدًا بإشراف الوزير يونس السكوري بشكل شخصي على تدبير هذا الملف، بدل الاعتماد على الخبراء والإدارة، كما يفعل وزراء آخرون، معتبرا أنه وزير سياسي.
وأوضح رئيس فريق “الكتاب” أن المشاورات جرت، ولا يمكن تبخيس هذا المجهود، مضيفًا أن القانون يمثل تقدمًا كبيرًا مقارنة بالنسخة السابقة. وأشار إلى أن بعض التعديلات التي قُدمت من طرف النواب وتم قبولها في مجلس المستشارين قُبلت، لكنها لا تزال غير كافية لتحقيق الطموح المنشود، مضيفًا: “نأمل أن يتم تعديل بعض البنود بعد ظهور نتائج التطبيق العملي، والأهم أننا أصبحنا نتوفر على قانون ينظم الإضراب، يضمن حق الإضراب وحق العمل وحقوق المواطنين”.
الأغلبية تجازف بالمكاسب الانتخابية..
وردا على ملاحظات المعارضة، هنأ أحمد التويزي، رئيس فريق الأصالة والمعاصرة، الحكومة والمعارضة والمغاربة على إصدار القانون بعد 62 سنة من الانتظار. وأكد أن القانون السابق كان مرفوضًا، مشيدًا بفتح الوزير يونس السكوري لباب الحوار. وأضاف أن هذا القانون جاء لصالح العمال وليس لتقييد الإضراب، بل لتحديد المسؤولية وحماية مناصب الشغل والاستثمارات.
وأوضح أن حق الإضراب دستوري والجميع متفق عليه، مشيرًا إلى أن الحكومة أظهرت شجاعة سياسية في تمرير هذا القانون، خلافًا للحكومات السابقة، نظرًا للطابع الاجتماعي لهذا التشريع وكلفته السياسية.
وأضاف التويزي أن التحالف الحكومي لا يسعى إلى تحقيق مكاسب انتخابية، قائلاً: “سواء صوّت الناس لنا أم لا، فإن هدفنا هو إصدار قانون يحمي العمال”، مؤكدًا أنه إذا كانت هناك حسن نية من قبل النقابات والمشغلين، فإن هذا القانون سيكون في صالحهم. كما تحدى أي طرف أن يجد مادة واحدة تكبّل حق الإضراب، مشددًا: “من أراد ممارسة السياسة، فليتجه إلى الأحزاب وليس النقابات”.
وفي نفس السياق، أشاد محمد شوكي، رئيس فريق التجمع الوطني للأحرار، بشجاعة الحكومة في طرح تشريعات صعبة للنقاش وفتح باب الحوار بشأنها. وأوضح أن هذا المشروع يمثل تقدمًا من حيث المفاهيم وتوضيح المعطيات، حيث يحدد الجهة الداعية إلى الإضراب، ويسمي المرافق العمومية، ويدقق في مسألة احتلال أماكن العمل، مما يمنح المغرب منظومة تشريعية متقدمة على المستوى الدولي.
وأكد، رجا على الإبراهيمي، أنهم في الأغلبية البرلمانية لديهم إيمانًا راسخًا بأن الحكومة، كما جاءت بقانون اجتماعي، ستُقدِم أيضًا على إصلاح نظام التقاعد.
بدوره، أكد علال العمراوي، رئيس الفريق الاستقلالي، أن هذا المشروع لا يمكن تقييمه دون العودة إلى السياق الذي انطلق منه، مشيرًا إلى أن مسودة 2016 تضمنت عقوبات بالسجن وأحكامًا كانت تتجاوز مجرد تقييد الإضراب.
وأوضح العمراوي أن دور البرلمان هو التشريع للمواطنين وليس ممارسة العمل النقابي، مشددًا على أن الحوار الاجتماعي مؤسسة يُحترم رأيها، لكن التشريع يبقى من اختصاص المؤسسة البرلمانية. وأضاف أن الوزير المعني انفتح على عدد كبير من المقترحات.
ولفت إلى إمكانية ظهور بعض الهفوات في القانون التي يمكن تصحيحها لاحقًا، لأنه ليس هناك قانون يتصف بالكمال، موردا أنه لا يمكن الاستمرار بدون قانون. وختم قائلاً: “لا مجال للمقارنة مع المسودات السابقة، ونحن ضد تعطيل عجلة التشريع والتقنين”.