عقود على توقيعه.. هل بات سلام الأردن وإسرائيل حبرا على ورق؟

هيئة التحرير2 نوفمبر 2024آخر تحديث :
عقود على توقيعه.. هل بات سلام الأردن وإسرائيل حبرا على ورق؟

“الشعب يريد إسقاط وادي عربة”.. هتاف يتردد باستمرار في الفعاليات الأردنية المتضامنة مع قطاع غزة الذي يتعرض لإبادة ترتكبها إسرائيل منذ أكثر من عام، وبهذا الهتاف يطالب المتظاهرون حكومتهم بإلغاء اتفاقية السلام الموقعة مع إسرائيل عام 1994.

اتفاقية وصفها وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي في أكثر من تصريح بأنها “وثيقة على رف يملؤها الغبار”، لكنه أوضح في أحد تصريحاته أنه لا يعتقد أن إلغاءها سيخدم مصالح الأردن أو فلسطين، مشيرًا إلى أنها “تُستخدم لخدمة مصالح الطرفين”.

فيما يرى خبراء أردنيون أن الاتفاقية بعد مرور 3 عقود على توقيعها، لم تؤد إلى تطبيع حقيقي في العلاقات مع إسرائيل، خاصة على المستوى الشعبي، كما لم تعد بفوائد ملموسة على المملكة سواء اقتصاديا أو أمنيا، وحتى على دورها كوصية على المقدسات الإسلامية بالقدس.

“موت سريري”

في هذا الصدد، يعتبر الباحث الأردني في الشؤون السياسية راكز الحباشنة أن “العداء التاريخي لإسرائيل المتجذر في فكر الشعب الأردني يشكل أحد الأسباب الرئيسية لرفض الاتفاقية”.

ويوضح في حديثه للأناضول، أن “الاتفاقية جاءت بعد عقود من الحروب، استشهد فيها كثير من الأردنيين على ثرى أرض فلسطين؛ مما شكل حالة من العداء التاريخي الرافض لفكرة السلام والتطبيع مع إسرائيل”.

ويرى الحباشنة أن الأردن لم يستفد اقتصاديًا من الاتفاقية في قضايا مثل المياه والحدود والأمن وقضايا اللجوء، حيث لم تلتزم إسرائيل ببنود الاتفاقية في هذا الصدد بشكل كامل.

ويشير بذلك إلى استمرار التحديات المتعلقة بتقاسم الموارد المائية بين البلدين بشكل عادل، وعدم احترام إسرائيل للترتيبات الأمنية والحدودية المتفق عليها، بالإضافة إلى غياب الحلول الفعالة لمشكلات اللاجئين الفلسطينيين.

كما يعتبر الباحث الأردني أن إسرائيل لم تحترم الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية بمدينة القدس، بل استمرت في تهويد المدينة واقتحام للمسجد الأقصى؛ مما استفز مشاعر الأردنيين.

ويذكر في هذا الخصوص أن إسرائيل تعمل على تغيير معالم المقدسات الإسلامية بالقدس عبر عمليات حفر.

وتنص الفقرة الثانية في المادة 9 من الاتفاقية على أن “تحترم إسرائيل الدور الحالي الخاص للمملكة الأردنية الهاشمية في الأماكن الإسلامية المقدسة في القدس، وعند انعقاد مفاوضات الوضع النهائي ستعطي إسرائيل أولوية كبرى للدور الأردني التاريخي في هذه الأماكن”.

وفي مارس 2013، وقع العاهل الأردني عبد الله والرئيس الفلسطيني محمود عباس، اتفاقية تعطي المملكة حق “الوصاية والدفاع عن القدس والمقدسات” في فلسطين.

ويذكر الحباشنة أن “إسرائيل لم تراع الاعتبارات الإنسانية تجاه مشاعر النسيج الوطني الأردني الذي يضم أردنيين من أصول فلسطينية؛ فبقي القتل والإبادة للشعب الفلسطيني مستمر، وما يحدث في غزة إصرار على ذلك”.

ووفقا لتقديرات غير رسمية، يُشكل الفلسطينيون ما بين 40 بالمئة و50 بالمئة من إجمالي سكان الأردن، الذين يبلغ عددهم حوالي 11 مليون نسمة.

أما بالنسبة للاجئين الفلسطينيين المسجلين في الأردن، فتشير بيانات وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) إلى أن عددهم يبلغ حوالي 2.4 مليون لاجئ حتى نهاية عام 2020.

ويعتقد الحباشنة أنه رغم أن الأردن يمتلك السيادة الكاملة على حدوده وفقا لاتفاقية وادي عربة، إلا أن بنودها تميل لصالح إسرائيل، خاصة لأنها وُقعت برعاية الولايات المتحدة الداعمة لإسرائيل.

ويعتبر أن الإبادة التي ترتكبها إسرائيل بقطاع غزة قد تكون مؤشرا على “الموت السريري” للاتفاقية؛ بسبب “التعنت الإسرائيلي وعدم احترام مبادرات صانع القرار الأردني لإنهاء الحرب”.

ويختتم بالقول إن الغالبية العظمى من الأردنيين يرفضون الاتفاقية، وهو ما يفسر رفضهم للتطبيع مع إسرائيل، حيث بقي التطبيع محصورا في المستوى الرسمي فقط، لتحقيق المصالح المشتركة.

ومنذ 7 أكتوبر 2023 تقترف إسرائيل بدعم أمريكي مطلق إبادة جماعية بغزة، خلفت أكثر من 144 ألف قتيل وجريح فلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قتلت عشرات الأطفال والمسنين، في إحدى أسوأ الكوارث الإنسانية بالعالم.

“سلام مع من؟”

من جانبه، يقول أستاذ العلوم السياسية بجامعة الزرقاء الأردنية الخاصة علي الرحامنة، إن اتفاقية وادي عربة “لم تُعتبر يوما أمرا طبيعيا أو مقبولا على المستوى الشعبي الأردني”.

ويوضح الرحامنة في حديثه للأناضول، أن “الشعب الأردني هو الأقرب إلى الشعب الفلسطيني، والأكثر إدراكا لمعاناته، وهو الشعب الداعم المشارك للنضالات الفلسطينية منذ الأيام الأولى للانتداب البريطاني الذي مهّد لإقامة الدولة العبرية، وقدم التضحيات والشهداء على هذا الطريق”.

ويضيف: “وبالتالي، هناك موقف شعبي مبدئي ينظر إلى إسرائيل كدولة احتلال واغتصاب يجب التصدي لها”.

ويلفت إلى أنه “يمكن تمييز مراحل مختلفة في مستوى رفض هذه الاتفاقية شعبيا”.

ويوضح قائلا: “في البداية، كان الرفض الشعبي موجودا وجذريا، لكنه لم يكن صارخا، حيث جاءت الاتفاقية بعد مؤتمر مدريد للسلام عام 1991 واتفاقيات أوسلو عام 1993بين منظمة التحرير الفلسطينية والاحتلال؛ مما أعطاها تبريرا نسبيا بالنظر إلى أن المأمول كان إقامة الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من يونيو 1967 بعد سنوات معدودة”.

ويتابع الرحامنة: “لاحقا، أدرك الأردنيون أن دولة الاحتلال لا تسعى إلى السلام، وذلك بعد اغتيال رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحق رابين عام 1995، وفشل محاولات التوصل إلى اتفاق بين الرئيس الراحل ياسر عرفات ورئيس الوزراء الأسبق إيهود باراك برعاية الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون”.

وبعد “اندلاع الانتفاضة الثانية الفلسطينية 2000، واغتيال عرفات، وتقويض اتفاقيات أوسلو، واستمرار الاستيطان الإسرائيلي وتصاعده، وتواصل سياسات القمع والتهويد والاعتداءات على المقدسات في القدس”.

ويعتبر الأكاديمي الأردني أن “كل هذا جعل موضوعات السلام كذبة كبرى في نظر الأردنيين، بكل أصولهم ومنابتهم، وجعل التطبيع كلمة ترادف الخيانة، وأكثر موتا من موته القائم أصلا”.

ويتابع: “الإبادة الجماعية التي تنفذها إسرائيل حاليا بقطاع غزة، والتي تعد الأكثر وحشية في التاريخ، جعلت الأردنيين في وادٍ بعيد جدا عن وديان التطبيع والمطبّعين، ولسان حالهم يسأل: سلامُ مع من؟”.

ويستدرك أن “إجابات الأردنيين الغاضبة المريرة تطول وتطول، وهم يتمنون فعلا لو أن اتفاقية وادي عربة لم تكن، وما دامت كانت، فهم يريدونها ملغاة في الأمس قبل اليوم، واليوم قبل الغد”.

ووقعت معاهدة السلام بين الأردن وإسرائيل بوادي عربة في 26 أكتوبر/تشرين الأول 1994، ونصت على أن الهدف منها، هو تحقيق سلام عادل وشامل استنادا إلى قراري مجلس الأمن 242 و338 ضمن حدود آمنة ومعترف بها.

الاخبار العاجلة