مع اقتراب موعد زيارة الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، للمغرب، تلبية لدعوة الملك محمد السادس، سادت تكهنات في الأوساط السياسية المغربية والفرنسية حول أهم القضايا التي ستطرح على طاولة النقاش بين قائدي البلدين في هذه المناسبة التي من المرتقب أن تخرج ببوادر توجهات جديدة في العلاقات بين المغرب وفرنسا، والتي كسر إقرار الأخيرة بمغربية الصحراء توترا استمر لأزيد من سنتين.
وفي سياق عودة الدفء للعلاقات الفرنسية المغربية بعد قرار فرنسا التاريخي بدعم مغربية الصحراء وجدية مقترح الحكم الذاتي في يوليوز الماضي، أعلن قصر الإليزيه، يوم الجمعة الماضي، أن الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، سيقوم بزيارة رسمية للمملكة المغربية نهاية أكتوبر المقبل.
أحمد نور الدين، الخبير في العلاقات الدولية، قال إن الرئيس الفرنسي “سيسعى في زيارته المرجعية المرتقبة للمغرب إلى انتزاع أكبر حصة من صفقات مغربية كبرى”، مبرزا أن “هذه الزيارة ستكون بمثابة الفرصة الذهبية لتنزيل الموقف الفرنسي من قضية الصحراء المغربية على أرض الواقع”.
واعتبر المحلل السياسي، في تصريح لجريدة “مدار21” الإلكترونية، أن “فرنسا تسارع لانتزاع أكبر حصة من الصفقات المغربية الكبرى التي قد تصل إلى حوالي 40 مليار دولار”، مشيرا إلى أنها “تهم أساسا خطوط القطار فائق السرعة نحو مراكش وأكادير، ومحطة للطاقة النووية في طانطان، ومحطة للغاز المسال بالجرف الأصفر، ومحطات جديدة لتحلية المياه، وإنتاج الهيدروجين الأخضر، وصفقة أسلحة من الجيل الخامس، والتعاون في التصنيع العسكري، وغيرها من المشاريع في البنيات التحتية مثل نفق تيشكا بين ورززات ومراكش، ومحطات للاتصالات، وخطوط الكابلات البحرية بين القارات، وأنوب الغاز نيجيريا-المغرب-أوروبا، والمركب الرياضي العملاق بمدينة ابن سليمان”، مشددا على أن “هذه مشاريع ستحول المغرب إلى قطب دولي صناعي وتكنولوجي ولوجستيكي، وتعزز دور المملكة الإقليمي كحليف عسكري استراتيجي من خارج حلف الناتو في ظل التوتر والأزمات الدولية المتزايدة”.
وأضاف المتحدث ذاته أن “هذا لا يعني غياب قطاعات آخرى في جدول أعمال هذه الزيارة ومنها التعاون الثقافي بين متحف اللوفر ومؤسسة متاحف المغرب وبين المسرح الجديد بالرباط وأوبرا باريس والتعاون الأكاديمي والبحث العلمي والتقني بين الجامعات”.
وسجل الخبير ذاته في حديثه مع جريدة “مدار21” الإلكترونية أن “زيارة الرئيس الفرنسي للمغرب تأتي في سياق تقاوم فيه فرنسا بكل ما أوتيت من قوة من أجل الحفاظ على مكانة محترمة بين الدول الكبرى داخل النظام العالمي الجديد الذي يتم بناؤه ليخلف النظام الحالي الذي أُعلنت وفاته رسميا باندلاع الحرب الأوكرانية”.
تفعيل موقف فرنسا من الصحراء
وفي ما يتعلق بالموقف الفرنسي من قضية الصحراء المغربية، سجل الخبير ذاته أن هذه “الزيارة ستكون من نوع الزيارات المرجعية الهامة، على الصعيد الدبلوماسي، سيما أنها الأولى بعد الاعتراف الفرنسي بسيادة المغرب على صحرائه الغربية”.
وتابع المتحدث ذاته أنه “من المؤكد أن تشكل هذه الزيارة فرصة ذهبية من أجل الاتفاق حول كيفية ترجمة ما التزم به الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في رسالته الموجهة إلى الملك في 30 يوليوز 2024 حول (التحرك الفرنسي في انسجام مع الاعتراف بمغربية الصحراء على المستويين الوطني والدولي)، متوقعا أن “يتم الاتفاق بين قائدي البلدين على الخطوط العريضة لحملة دبلوماسية منسقة على الصعيد الدولي، تهم على وجه الخصوص التحرك المطلوب من فرنسا على مستوى مجلس الأمن والأمم المتحدة”.
وقال المتحدث ذاته إن بداية تفعيل القرار الفرنسي من قضية الصحراء يمكن أن يتم عبر “توجيه مذكرة دبلوماسية فرنسية رسمية إلى رئيس مجلس الأمن الدولي حول الاعتراف الفرنسي بمغربية الصحراء، كما فعلت واشنطن من قبل، مع توزيعها كوثيقة رسمية لمجلس الأمن على كافة أعضائه”.
وعن الالتزامات التي اعتبر نور الدين فرنسا مطالبة بها لترجمة اعترافها بمغربية الصحراء، أورد أنه “ينبغي ترجمة الموقف الفرنسي في تقرير الأمين العام للأمم المتحدة الذي يقدمه نهاية شهر أكتوبر، ثم ترجمة ذات الاعتراف الفرنسي في القرار الجديد لمجلس الأمن حول الصحراء في الأسبوع الأخير من أكتوبر”، مؤكدا أنها “ستكون خطوات أولية مهمة في تجسيد الموقف الفرنسي عمليا وقانونيا ودبلوماسيا على الصعيد الدولي”.
وأشار الأكاديمي ذاته إلى أن “الزيارة الفرنسية من المنتظر أن تنتج عنها استثمارات اقتصادية عمومية فرنسية في مشاريع كبرى في الساقية الحمراء ووادي الذهب، قد تكون مدخلا لافتتاح قنصلية فرنسية بالداخلة مثلا”.