حذّر الباحث في مجال المناخ والأمن المائيؤ أيوب العراقي، من خطورة المعطيات التي قدمها وزير التجهيز والماء، والتي تبرز تفاقم ظاهرة التوحل داخل السدود، معتبرًا أن الأمر يشكل معضلة حقيقية تهدد الأمن المائي الوطني.وذلك تعليقا على المعطيات التي كشف عنها وزير التجهيز، نزار بركة، أمس الثلاثاء، بمجلس المستشارين.
وأوضح الباحث في تصريح لجريدة “مدار21” الإلكترونية، أن التوحل يتسبب في فقدان حوالي 50 مليون متر مكعب من القدرة التخزينية للسدود سنويًا، وهو ما يعادل سعة سد متوسط، مشيرًا إلى أن ذلك يُعد نزيفًا مائيًا مستمرًا، يُضعف قدرة البلاد على مواجهة فترات الجفاف والتقلبات المناخية.
وأشار العراقي إلى أن من الناحية التقنية، تُعد الإجراءات المتخذة من طرف الوزارة، وعلى رأسها اتفاقية التعاون مع وكالة المياه والغابات لإنجاز عمليات التشجير في الأحواض العليا، خطوة إيجابية نحو الوقاية، لما لها من دور في الحد من تعرية التربة وانجرافها نحو خزانات السدود. واعتبر أن هذه المقاربة البيئية تمثل أحد أفضل الحلول المستدامة، لكنها تحتاج إلى توسيع نطاقها وتعزيز آليات تتبعها على أرض الواقع لضمان فعاليتها.
وفي ما يتعلق بكلفة التدخلات، أوضح الباحث في حديثه للجريدة أن إزالة الأوحال تُعد عملية باهظة، إذ تصل كلفتها إلى 70 درهمًا للمتر المكعب، مما يجعل هذا الحل غير مجدٍ من الناحية الاقتصادية على نطاق واسع. وأكد أن خيار تعلية السدود يشكّل بديلًا استراتيجيًا لتوسيع القدرة التخزينية دون اللجوء إلى عمليات تفريغ أو تنظيف مكلفة ومعقدة.
وأضاف الباحث في الأمن المائي أن مشاريع توسيع سعة بعض السدود الكبرى، من قبيل رفع حقينة سد محمد الخامس من 165 إلى 980 مليون متر مكعب، وسد المختار السوسي من 50 إلى 280 مليون متر مكعب، تمثل نقلة نوعية في تدبير الموارد المائية، شريطة أن تُواكب هذه المشاريع بتدابير وقائية دائمة ضد التوحل لضمان استدامتها.
كما سجل أن رفع الغلاف المالي للمخطط الوطني للماء الصالح للشرب إلى 143 مليار درهم يُظهر وعيًا استراتيجيًا لدى الدولة بأهمية الاستثمار في البنية التحتية المائية. غير أنه شدد على أن التحدي الحقيقي لا يكمن فقط في حجم التمويل، بل في نجاعة التدخلات واستمراريتها، وتوفير منظومة حكامة مائية مبنية على التخطيط البيئي والرقمنة والتقييم المستمر.
ولمعالجة جذرية ومستدامة لإشكالية التوحل، شدد الخبير على ضرورة تعزيز نظام المراقبة والتتبع المنتظم لتراكم الأوحال داخل خزانات السدود، من خلال إحداث نظام معلومات وطني رقمي يُمكّن من جمع وتحليل البيانات المتعلقة بمصادر التوحل وتطوره بشكل دوري. واعتبر أن التوفر على معطيات دقيقة وآنية، سيساهم في اتخاذ قرارات استباقية أكثر فعالية، وتوجيه السياسات المائية بناء على أسس علمية.
كما دعا إلى الاستثمار في البحث العلمي وتطوير تقنيات مبتكرة لإعادة استخدام الأوحال المستخرجة، مقترحًا استغلالها في مجالات واعدة كالفلاحة وصناعة مواد البناء. وأكد أن تحويل الأوحال من عبء بيئي إلى مورد اقتصادي يمكن أن يفتح آفاقًا جديدة للتنمية المستدامة، ويخفف من العبء المالي المرتبط بعمليات الإزالة التقليدية.
وفي السياق نفسه، شدد الخبير على أهمية اعتماد مقاربة تشاركية في تدبير الأحواض المائية، من خلال إشراك مختلف الفاعلين المحليين، من جماعات ترابية وفلاحين ومكونات المجتمع المدني، في برامج التشجير، والحفاظ على الغطاء النباتي، ومحاربة الاستغلال العشوائي للمنحدرات. واعتبر أن تعزيز الوعي البيئي لدى السكان المحليين وضمان انخراطهم الفعلي في هذه البرامج، يمثل شرطًا أساسيًا لإنجاح أي سياسة عمومية تهدف إلى حماية السدود وضمان ديمومتها.