توتر ملحوظ ذاك الذي تشهده العلاقات بين الجزائر وفرنسا، جعل البعض يتوقع “قطيعة مرتقبة”، وذلك بعد بلاغات متتالية من الجارة “تحتج” على زيارات مسؤولين فرنسيين للصحراء المغربية، وهو ما يكشف بوضوح نواياها تجاه المملكة، حتى وإن كان ذلك على حساب الاستقرار الإقليمي والعلاقات الثنائية مع باريس.
وقرر مجلس الأمة الجزائري، وهو الغرفة الثانية في البرلمان، “التعليق الفوري” لعلاقاته مع مجلس الشيوخ الفرنسي، كردة فعل على زيارة رئيسه جيرار لارشيه إلى الصحراء المغربية ولقائه بمسؤولين مغاربة.
شادي عبد السلام، الخبير في إدارة الأزمات وتدبير المخاطر وتحليل الصراع، سجل أن ردود الفعل الجزائرية بعد زيارات المسؤولين للصحراء المغربية، تأكيد على النزعة التوسعية للنظام الشمولي الجزائري الذي لا يتوانى عن التدخل في الشؤون الداخلية للمملكة المغربية وفي قراراتها السيادية التي تمس الأمن القومي والمصالح العليا للشعب المغربي، وردود الأفعال هذه هي تكريس لإستراتيجية الهيمنة الإقليمية التي تهدف إلى السيطرة على مقدرات وثروات الشعوب المغاربية.
كما تؤكد، يضيف شادي عبد السلام في تصريح لجريدة “مدار21” الإلكترونية، على الهزيمة الدبلوماسية والسياسية للنظام العسكري الجزائري في ملف الصحراء المغربية وفشل محاولاته البائسة بتقسيم المملكة المغربية واقتطاع الأقاليم الجنوبية خدمة للأطماع البومدينية في بناء القوة الإقليمية المهيمنة على محيطها الجيوسياسي.
وقال عبد السلام إن النظام الجزائري بهذه البلاغات الدبلوماسية الانفعالية والحملات الإعلامية المأجورة يؤكد الهزيمة النفسية القاسية والوضع السياسي المأزوم لصانع القرار السياسي في الجزائر العاصمة وخضوعه الكلي لرغبات جنرالات العشرية السوداء، نتيجة الخضوع التام لمخططاتهم بإشعال حرب إقليمية من أجل إلهاء الشعب الجزائري الشقيق عن القضايا الحقيقية التي تهمه، كالكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية والعيش الكريم.
وأوضح الخبير في إدارة الأزمات وتدبير المخاطر وتحليل الصراع أن نظام الجارة كذلك يؤكد حقيقة النظام الشمولي الجزائري الرافض لأي تسوية إقليمية تحت السيادة المغربية تنهي النزاع الإقليمي المفتعل، وترسخ طبيعته الهجومية التي تهدد الأمن الإقليمي والقاري والدولي في منطقة تعج بالمخاطر والأزمات.
وأشار في السياق ذاته إلى أن تدخل النظام الجزائري في الشؤون الداخلية لدولتين ذواتا سيادة (المغرب – فرنسا) يمكننا اعتباره تطاولاً دبلوماسياً غير مقبول ولا يندرج في إطار الأعراف والقوانين التي تحدد العلاقات الثنائية بين الدول، ويعكس الفشل البنيوي الذي تعاني منه الخارجية الجزائرية في وضع تصور سياسي واضح ورؤية استراتيجية رصينة لتدبير علاقاتها الخارجية خارج منطق الوصاية.
كما أكد أن زيارة وفود أجنبية إلى الصحراء المغربية تندرج في إطار “دينامية تكريس السيادة” التي تنهجها المملكة المغربية في الأقاليم الجنوبية من خلال عدة مسارات دبلوماسية وسياسية وتنموية واقتصادية وأمنية وعسكرية تهدف إلى إنهاء النزاع الإقليمي المفتعل وفق قواعد اشتباك دبلوماسية واضحة المعالم تنطلق من مقترح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية كحل نهائي للملف.
وفيما يتعلق بالتقارب الجزائري الإسباني، شدد شادي عبد السلام، على أنه لا يشكل بالنسبة للمملكة المغربية أي إشكال طالما لا يتم على حساب السيادة المغربية واستقلالية القرار السياسي المغربي، لأن المملكة المغربية لطالما تدعو إلى دعم قنوات التكامل الإقليمي بين ضفتي المتوسط خدمة لشعوب المنطقة وتحقيقًا لطموحاتها في التنمية المستدامة والاستقرار والسلام.
وأبرز أن الارتماء الجزائري في الحضن الإسباني هو دليل على فشل المقاربة السياسية والدبلوماسية لصانع القرار الدبلوماسي الجزائري، بشكل خاص في ظل الأزمة الأخيرة مع باريس، حيث أظهرت الوقائع التخبط الكبير على مستوى اتخاذ القرار والأسلوب العبثي والانفعالي للفاعل الدبلوماسي الجزائري في إدارة وتدبير الأزمات نتيجة عدم ارتكاز السياسة الخارجية الجزائرية على عقيدة دبلوماسية رصينة تعتمد على ثبات الموقف ووضوح الرؤية.