لعل الأزمة الصاعقة التي يعيش تفاصيلها المغاربة اليوم، كلما دخلوا إلى السوق أو دخلوا إلى المطبخ، تكشف جانبا آخر أغفلته المقاربات إلى حد الساعة: وهذا الجانب يتعلق برئيس الحكومة المغربية، التي رفعت الراية البيضاء منذ أقل من أسبوع أمام ارتفاع الاسعار، حيث نجد أنه هو نفسه الذي ظل على علاقة مباشرة بالمغرب الأخضر الذي انتظرنا منه الكثير.
فـ«المغرب الأخضر» كما يعرف المغاربة جميعا هو برنامج يرسم السياسة الفلاحية في بلادنا أطلقه السيد رئيس الحكومة في 2008 عندما كان وزيرا للفلاحة في حكومة عباس الفاسي، ورئيس الحكومة هو نفسه الذي قاد عملية تنفيذ برنامج التنمية الزراعية في 2020 عندما كان وزيرا للفلاحة في حكومة عبد الإله بنكيران ضمن خطة «الجيل الأخضر».. وعليه فكل شيء أخضر هو من نصيب رئيس الحكومة وهو مرتبط ارتباطا وثيقا به وبالتالي فهو المسؤول عن ميلاده وترعرعه وشيخوخته فيما يبدو.!
لن نعود لكل الأهداف التي سطرها عزيز أخنوش منذ 2008 لهذه السياسات، بل ننظر فقط إلى الوضعية الحالية التي نحن فيها!
وضعية قال عنها والي بنك المغرب والمندوب السامي للتخطيط، إنها تسير نحو المزيد من الأزمة باعتبار أن التضخم وارتفاع الأسعار في المجال الفلاحي سيزدادان تأزما ويزدادان توغُّلا ويزدادان تأججا..
هذه هي مفارقة السيد عزيز أخنوش اليوم، والتي تسائل كل المتتبعين في المغرب وخارجه: كيف لرجل سياسة وصاحب قرار، يعرف كل تفاصيل سلسلة الإنتاج والتسويق والتسعيرة والاستهلاك، لم يستخلص منذ 15 سنة ما يجب استخلاصه بخصوص مواد الاستهلاك الكبير لدى المغاربة ولا يعرف تفاصيل تزويدهم بما يحتاجونه بالأسعار التي في متناول جيوبهم؟ كيف لم يعرف ما يقع وسيقع للخبز والخضر والفواكه من التهاب في الأسعار، والذي جعل المغاربة ينكتون ويسخرون قائلين: إننا نشتري الخضر «طايبة» من الاسواق لأنها تغلي غليانا غير مسبوق في الأثمنة، خارج الكوكوت والمرميطة والطاجين!
إن الأمر يدعو إلى الوقوف عند تراكم الخبرة التي لا تنفع البلاد في شيء. ويستدعي العودة إلى طبيعة المسؤولية السياسية التي يباشرها جزء من النخبة، ولا يقرُّون بالأزمة التي تسببوا فيها، ويبحثون لها عن أسباب خارجية من قبيل “التضخم المستورد”!
ومن المواد التي تحرق أعصاب المغاربة وقدرتهم الشرائية.. هناك كذلك المحروقات، وهنا نكرر السؤال نفسه: كيف لرئيس حكومة من أكبر مقاولي وتجار وأغنياء الوقود، أن يفشل في ضبط قواعد سوقه وقوانين اقتنائه وإيجاد السبل للتخفيف عن المواطنين المحترقين بأسعاره وسُعاره؟.
فلو تعلق الأمر بمسؤول سياسي، جاءت به الهندسة الحكومية إلى المسوولية في وزارة الطاقة أو على رأس الجهاز التنفيذي، كنا سنجد الأعذار وربما وجدنا أسبابا للتعاطف معه باعتبار المعني بالأمر لا يفهم في «لوغريتمات» النفط والغاز وما ينتج عنهما.. ولكن أن يكون المعني بالأمر من كبار الذين يعرفون تفاصيل القطاع وبل يعرف كيف أن يستخرج منه القناطر المقنطرة من الذهب والدرهم واليورو والدولار وكل الأرباح التي سارت بذكرها التقارير فالأمر يدعو بالفعل إلى الاستغراب أولا، ثم إلى المحاسبة ثانيا!..
لا نعتقد في الختام أن السنوات التي سيضيفها لسجله السياسي على رأس الحكومة ستلقِّنُه حكمة إضافية أو معرفة أخرى تحل المشكل ما دام أن ما انقضى منها لم يسعفه في الفهم، ولا نعتقد بأن همه هو ذاك، عندما نسمع مبررات الحكومة وبلاغتها وخطبها حول ما يعيشه المغاربة، بل سنعيش سنوات عجاف لا قدر الله، مع ما ينتظرنا من غلاء بنيوي!