وقف مراقبو المجلس الأعلى للحسابات على ضعف وتدهور قرابة نصف المنشآت القضائية والإدارية التابعة لوزارة العدل، مبرزين أن 47 في المئة من المقرات في حاجة إلى إصلاحات كبرى إما لكونها غير ملائمة للاستغلال (14 في المئة) أو في وضعية متوسطة (33 في المئة).
وأورد التقرير السنوي للمجلس أن الوزارة “لا تتوفر على مخطط لتأهيل هذه البنايات، قصد تشخيص حالتها الراهنة وتدارك وتيرة تدهورها”، مؤكداً أنه “للوزارة مجموعة من البنايات القديمة غير المستغلة (مقرات قضائية وإدارية ودور وظيفية) دون أن تتوفر على خطة لتحديد مآلها”.
وفي ما يخص تمويل مشاريع بناء وتهيئة المنشآت القضائية والإدارية، سلطت خلاصات التقرير، الذي اطلعت عليه جريدة “مدار21” الالكترونية، “عدم اعتماد البعد الجهوي في الهيكلة الميزانياتية للصندوق الخاص بدعم المحاكم”.
وفي هذا الصدد، أشار المصدر ذاته إلى أنه “يتم تنزيل نفقات صندوق دعم المحاكم بشكل مجمل تحت عنوان (المصالح المشتركة)”، مبرزا أن “هذا ما يترتب عنه صعوبات في تتبع التنفيذ المالي للمشاريع وتجميع المعطيات المتعلقة بها وتوفير لوحة قيادة على مستوى كل جهة”.
وضمن ما نبه إليه المجلس “تسجيل نقص في نجاعة استعمال الاعتمادات المتاحة ببقاء معدل مبلغها من سنة لأخرى ضمن الصندوق الخاص لدعم المحاكم في حدود نسبة 59 في المئة بالمقارنة مع الاعتمادات الأصلية خلال الفترة 2017-2023، فيما تراوحت نسبة أداء نفقات الميزانية العامة للاستثمار ما بين 51 في المئة و70 في المئة خلال نفس الفترة”.
وبخصوص مواكبة تنفيذ مشاريع البناء والتجهيز، لاحظ المجلس “تعثر تسوية الوضعية القانونية لمجموعة من العقارات بسبب غياب استراتيجية عقارية استباقية لاقتناء الوعاء العقاري تهدف إلى تحديد القطع الأرضية المراد تخصيصها لبناء المقرات القضائية والإدارية”، منتقداً “غياب معايير واضحة تحدد شروط تقييم صلاحية الأراضي المقترحة من طرف اللجان المختصة ومدى ملاءمتها لحاجيات الوزارة”.
ولفت المجلس إلى تأخر الآجال المتوقعة لإنجاز عدة مشاريع، مبرزاً أنه “لم تتجاوز نسبة المشاريع التي تم تنفيذها داخل الآجال 11 في المئة خلال الفترة 2017-2022 وذلك بسبب التغييرات التي همت تصاميم المنشآت لضعف جودة الدراسات التقنية القبلية بالإضافة إلى صعوبة إنجاز الأشغال بالتوازي مع سير المرافق التي غالبا ما تشهد توافد عدد كبير من المرتفقين والمهنيين”.
ولتجاوز هذه الاختلالات التدبيرية والتقنية، أوصى المجلس بوضع استراتيجية رسمية لإعداد وتنفيذ برامج بناء وتهيئة البنايات القضائية والإدارية مع تحديد أهدافها والجدولة الزمنية لإنجازها ومصادر تمويلها والأطراف ذات العلاقة.
وشددت توصيات المجلس على اعتماد برامج عمل ملائمة ومنسجمة مع المعايير المحددة في التنظيم القضائي الجديد ووضع آلية للتأكد من مدى جودة الدراسات التقنية القبلية، وذلك لتفادي التغييرات المتواترة في تصاميم المنشآت بعد الشروع في إنجاز المشاريع.
ولتخطي المشاكل العقارية التي تواجه أوراش تشييد المباني القضائية والإدارية التابعة لوزارة العدل، دعا “مجلس العدوي” إلى “تبني استراتيجية عقارية استباقية متعددة السنوات قصد اقتناء الأراضي قبل الشروع في تنفيذ المشاريع واعتماد مخطط لصيانة البنايات والحفاظ عليها وتأهيل البنايات غير الملائمة وتوفير المرافق الضرورية لحسن سير مرفق العدالة، لاسيما مكاتب الواجهة ومراكز حفظ الوثائق”.
ومنذ صدور ميثاق إصلاح منظومة العدالة سنة 2013، سجل التقرير إنجاز وزارة العدل لما يزيد عن 69 مشروعا يتعلق ببناء وتهيئة المنشآت القضائية والإدارية بكلفة إجمالية ناهزت 3.2 ملايير درهم همت على وجه الخصوص بناء المعهد العالي للقضاء و4 مركبات قضائية (قصر العدالة) ومقرات محكمة استئناف واحدة و18 محكمة ابتدائية وقسم قضاء الأسرة و22 مركزا قضائيا ومديرية جهوية واحدة، بالإضافة إلى 6 مشاريع للتهيئة والتوسعة”.
وعلى الرغم من ذلك، انتقدت الوثيقة نفسها “غياب معايير مرجعية تحدد نمط تنفيذ المشاريع، من قبيل طبيعة وعدد المشاريع المبرمجة سنويا وتوزيعها الجغرافي والهيئة المفوض لها الإشراف”.
ونَبَّه مراقبو المجلس إلى “تخلف الوزارة على تقييم تجربة تدبير المشاريع في إطار الإشراف المنتدب”، لافتين إلى أن “40 في المئة من مجموع المشاريع التي تم تفويض تدبيرها سجلت نقائص على مستوى البرمجة والتدبير”.
أما بالنسبة لتقييم منهجية نجاعة الأداء ومقاربة التدبير المرتكز على النتائج، أورد التقرير “عقود البرامج المبرمة مع المديريات الجهوية اقتصرت على تحديد البرامج التوقعية برسم السنة الموالية دون أن تحدد على المدى المتوسط الأهداف المتوخاة والمشاريع المبرمجة والموارد البشرية والمادية اللازمة بالنسبة لكل مديرية وكذا مؤشرات التتبع والمراقبة وتقييم الأداء”.
في هذا الصدد، أبرز المجلس أن “معدل تنفيذ البرامج التوقعية للمديريات الجهوية عرف منحى تنازليا بانتقله من 49 في المئة إلى 47 في المئة ما بين سنتي 2017 و 2021 بسبب تراكم المشاريع المتأخرة أو المتعثرة وعدم إعطاء الأولوية لمعالجة المشاكل التقنية التي تواجه المشاريع قيد الإنجاز قبل برمجة مشاريع جديدة”.