بين السرقة والتدمير.. مواقع أثرية من ضحايا إبادة إسرائيل لغزة

هيئة التحرير2 مارس 2025Last Update :
بين السرقة والتدمير.. مواقع أثرية من ضحايا إبادة إسرائيل لغزة

على مدار أكثر من 15 شهرا، حول الجيش الإسرائيلي البلدة القديمة الواقعة في قلب مدينة غزة التي ضمت إرثا حضاريا يمتد لمئات السنين إلى شاهد على حرب إبادة جماعية لم تستثن حتى الحجر.

نيران الإبادة التي امتدت على طول القطاع ودمرت 88 بالمئة من بناه التحتية بما يشمل المنازل والمؤسسات الحيوية، وفق تقديرات المكتب الإعلامي الحكومي بغزة، حول المعالم الأثرية للبلدة القديمة إلى أنقاض.

كما تعرضت بعض القطع الأثرية النادرة التي كانت تتربع في صدارة متحف “قصر الباشا” الأثري، للسرقة من الجيش الإسرائيلي الذي توغل بريا في المنطقة وأحالها إلى دمار، وفق ما قالته مديرة المتحف ناريمان خلة للأناضول.

وتتكون البلدة القديمة في غزة من أربعة أحياء رئيسية هي الشُّجاعية، والدرج، والتفاح، والزيتون، تعرضت بشكل متعمد إلى استهداف إسرائيلي مكثف خلال أشهر الإبادة.

بعض المواقع الأثرية لم يكتف الجيش الإسرائيلي باستهدافها جوا بالقصف بل عمد إلى تجريف أجزاء واسعة منها بشكل كامل في محاولة لطمس الهوية الفلسطينية، بحسب خلة.

وأشارت خلة إلى أن أبرز المواقع التي تعرضت للدمار خلال العملية البرية للجيش الإسرائيلي التي طالت البلدة في ديسمبر/ كانون الأول 2023، كان “قصر الباشا” والمسجد العمري وحمام السمرة وكنيسة “بيرفيريوس” وبعض البيوت الأثرية.

قصر الباشا

مثل “قصر الباشا” الواقع في حي الدرج، آخر النماذج من القصور المتبقية في قطاع غزة على مر الحضارات.

هذا القصر الذي كان يمزج بين العمارتين المملوكية والعثمانية، أحالته إسرائيل إلى ركام لم يبق منه إلا بقايا بعض الجدران التي صنعت من الحجارة الرملية في العهد المملوكي، والصخرية والجيرية في العهد العثماني.

وعلى أطلال هذا المعلم الأثري، نصب نازحون فلسطينيون خيامهم وحولوا الموقع إلى مأوى بعدما دمرت إسرائيل منازلهم خلال حرب الإبادة.

خلة تروي بحزن تاريخ “قصر الباشا” الذي طاله التدمير الإسرائيلي المتعمد، قائلة: “عمر هذا القصر يعود لنحو 900 سنة، إلى نهاية الدولة المملوكية (1260- 1516​) وبداية العثمانية (1516- 1917)”.

ومع مرور الزمن، ونظرا للتغيرات التاريخية التي مرت بها المنطقة، تم تغيير وظيفة هذا القصر من إدارة حكم مدينة غزة وسن القوانين، إلى وظائف شرطية وتعليمية، بحسب خلة.

وعام 2010، تم تحويل جزء من مبنى القصر إلى متحف يجمع عددا من القطع الأثرية التي تعود إلى عصور مختلفة كاليوناني والروماني والبيزنطي والإسلامي، وفق قولها.

تدمير وسرقة

قالت خلة إن الجيش الإسرائيلي خلال عمليته البرية للمنطقة “هدم وجرف معظم مبنى قصر الباشا، وسرق بعض القطع أو القطع الأثرية الموجودة داخله”.

وبينما لم تشر خلة إلى القطع الأثرية التي سرقها الاحتلال، أفاد مراسل الأناضول بأن الجزء الذي كان يقع فيه المتحف تم تجريفه بالكامل.

المسجد العمري

المسجد العمري أُسس قبل أكثر من 1400 عام، ويعد من أكبر وأعرق مساجد غزة، تعرض هو أيضا للقصف والتجريف الإسرائيلي.

كما يعد العمري ثالث أكبر مسجد في فلسطين بعد المسجدين الأقصى وأحمد باشا الجزار في عكا، ويوازيه بالمساحة جامع المحمودية في يافا، حيث تبلغ مساحته 4100 متر مربع أما مساحة فنائه تصل إلى 1190 مترا مربعا.

تقول خلة إلى الجيش الإسرائيلي عمد، خلال نفس الفترة في ديسمبر 2023، إلى “تجريف وقصف المسجد العمري”.

وأوضحت أن أبرز ما استهدفته إسرائيل بالمسجد كان قسم المكتبة التي تعود للعهد المملوكي، وضمت بين جنباتها “المخطوطات والكتب النادرة التي كانت تستخدم بين الباحثين والأكاديميين الفلسطينيين”.

حمام السمرة

في السياق، تعرض أيضا حمام السمرة إلى تدمير إسرائيلي متعمد خلال الإبادة الجماعية، وبذلك تكون إسرائيل دمرت آخر الحمامات التاريخية في القطاع.

وتقول خلة إن “حمام السمرة، (الحمام التاريخي) الوحيد المتبقي في مدينة غزة، قام الاحتلال الإسرائيلي بهدمه بشكل كامل”.

وأعربت عن آمالها في إعادة تأهيل وبناء المواقع الأثرية بغزة بـ”سواعد المواطنين ووزارة الآثار ودعم المؤسسات الدولية”.

وأشارت إلى أن تلك المواقع تمثل تاريخ الفلسطينيين ولا بد من “الحفاظ عليها للأجيال القادمة لدراستها”.

كنيسة برفيريوس

لم تسلم دور العبادة المسيحية أيضا من الاستهداف الإسرائيلي المتعمد خلال الإبادة ما أسفر عن سقوط ضحايا في صفوفهم.

وتعمد الجيش في 19 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، استهداف كنيسة القديس “برفيريوس” بمدينة غزة، ثالت أقدم كنيسة في العالم حيث يعود البناء الأصلي فيها لعام 425 للميلاد.

هذا القصف أسفر عن مقتل 19 شخصا لجأوا إلى مبنى الكنيسة هربا من الغارات الإسرائيلية.

وأوضحت خلة أن القصف المتعمد للكنيسة كان محاولة إسرائيلية لـ”طمس الهوية الفلسطينية بشكل كامل وتهجير الفلسطينيين من أرضهم”.

بدوره، يقول المسيحي رامز الصوري (47 عاما)، والذي فقد 12 فردا من عائلته خلال قصف الكنيسة من بينهم 3 من أبنائه: “تعرضت الكنيسة لهجمة صاروخية أدت لاستشهاد عدد كبير من أبناء المجتمع المسيحي”.

وأوضح أن ضحايا القصف الإسرائيلي للكنيسة كانوا من “المدنيين السالمين والمسالمين الذين لجأوا إليها”.

وذكر أنه بالنسبة لأبناء المجتمع المسيحي بغزة فالخيار الوحيد الذي كان مطروحا أمامهم خلال الحرب هو التوجه للكنيسة باعتبارها “ملاذا آمنا لأي شخص كان يحاول النجاة بنفسه وأطفاله”.

وأشار إلى أن توجه المدنيين للاحتماء بالكنائس والمساجد خلال الحرب يأتي من باب أنها من “المحرمات” والتي يحظر استهدافها، لكنه استدرك قائلا: “للأسف لم يكن هناك محرمات بالنسبة للاحتلال”.

ولفت إلى أن الجيش الإسرائيلي كان معنيا بإلحاق الأضرار المادية بالكنسية والبشرية في المجتمع المسيحي.

وعلى مدى عقود تناقصت أعداد المسيحيين في غزة بفعل الهجرة، وقبل الإبادة الجماعية كان عددهم لا يزيد على 2000 شخص، حسب مؤسسات مسيحية.

ويتبع نحو 70 بالمئة من مسيحيي قطاع غزة طائفة الروم الأرثوذكس، بينما يتبع البقية طائفة اللاتين الكاثوليك.

وخلال الإبادة الإسرائيلية المستمرة بالقطاع تضررت 3 كنائس بشكل كبير، كذلك استهدف الجيش الإسرائيلي المركز الثقافي الأرثوذكسي في حي الرمال الجنوبي غرب مدينة غزة، بحسب المكتب الإعلامي الحكومي.

وبحسب المكتب الإعلامي الحكومي بغزة، فإن إسرائيل دمرت خلال أشهر الإبادة 206 مواقع أثرية وتراثية في القطاع.

وبدعم أمريكي ارتكبت إسرائيل بين 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 و19 يناير/ كانون الثاني 2025، إبادة جماعية بغزة خلفت أكثر من 160 ألف قتيل وجريح من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 14 ألف مفقود.

وفي 19 يناير الماضي، بدأ سريان اتفاق لوقف إطلاق النار وتبادل أسرى بين “حماس” وإسرائيل، يتضمن 3 مراحل تستمر كل منها 42 يوما، مع اشتراط التفاوض بشأن المرحلة التالية قبل انتهاء المرحلة الراهنة.

Breaking News