أعادت مشاهد “الفوضى” والاشتباكات التي عرفتها دورة أكتوبر بعدد من المجالس الجماعية النقاش حول التزام المستشارين الجماعيين بالأخلاق السياسية في تدبير الشأن العام، ومساهمتهم في تعميق أزمة نفور المواطنين من السياسة، بسبب عدد من التصرفات التي تسيء إلى سمعة المؤسسات المنتخبة.
ونقلت عدد من الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي، الأربعاء، مشاهد من “الفوضى” و”البلطجة” إبان انعقاد دورة أكتوبر، وعلى رأسها ما عرفه مجلس جماعة سيدي زوين بمراكش، من تبادل للتراشق بقنينات الماء وتبادل اللكم بين عدد من المستشارين الجماعيين، ما أدى إلى رفع الجلسة.
“تجرد من الأخلاق السياسية”
شريفة لموير، باحثة في القانون الدستوري والعلوم السياسية، قالت إن “هذه السلوكات التي أصبحت تشهدها المجالس المنتخبة لا تقل خطورة عن ظاهرة الفساد المستشري في مؤسساتنا، وبالتالي فإنها تجسد بشكل واضح تجرد المنتخبين من أخلاقيات العمل السياسي خاصة بعد هيمنة العنف المادي داخل المجالس الترابية”.
وأوردت الأكاديمية ذاتها، في تصريح لجريدة “مدار21” الالكترونية، أن “مثل هذه السلوكات تجد مبرراتها في إغراق المجالس الترابية بالأعيان”، مسجلةً أن “هذه الفئة في الغالب تكون لها مآرب شخصية من خلال التمثيلية السياسية وعبر المؤسسات التي من المفترض أن تلعب دور الوساطة”.
وتابعت لموير أن “عدم وعي ممثلي المواطنين، سواء على المستوى الوطني أو بالمجالس المحلية، بمبدأ التمثيلية السياسية الذي تترجمه ممارساتهم داخل المجالس هو الذي ينتج عنه ما تشهده المجالس الترابية اليوم من فوضى وبلطجة غير مقبولة”.
وأشارت المتحدثة ذاتها إلى أن “الساحة السياسية اليوم باتت تعرف تجردا من أخلاقيات العمل السياسي”، مسجلةً أنه “مثل هذه الممارسات المسيئة للمؤسسات تعرقل مسار التنمية الذي انخرط فيه المغرب على المستوى الترابي”.
ولم تنف المتحدثة ذاتها أن “مثل هذه المشاهد تؤكد بما لا يدع مجالا للشك فشل رهان تخليق المشهد السياسي بالمملكة”، معتبرةً أن “ما أصبحت تشهده المجالس الترابية يسائل حقيقة تبني مقاربة الارتقاء بالتمثيلية السياسية لتجاوز هذه الممارسات التي لا يمكن نعتها إلا بغير السليمة داخل المشهد السياسي”.
وشددت الباحثة في القانون الدستوري والعلوم السياسية على أن “تبني مدونة خاصة بسلوك الفاعل السياسي من أجل تخليق حقيقي للجماعات الترابية لن ينهي المشكل بشكل كلي”، مستدركة أن “اجتثاث هذه المشاهد المشينة لا يمكن أن يتم إلا داخل الأحزاب السياسية خاصة أنها تبقى المسؤولة عن تزكية هذه الفئة لولوج المجالس الترابية”.
“تصرفات مسيئة”
وفي تفكيكه لدواعي تكرار مثل هذه التصرفات “المسيئة” للمؤسسات السياسية، سجل المحلل السياسي، محمد شقير، أن “مثل هذه التصرفات تسيء للعمل الجماعي وتزيد من تكريس الصورة السلبية التي ترسخت لدى المواطن حول المنتخبين والمؤسسات المنتخبة”.
وعكس ما ذهبت إليه لموير بربط مثل هذه المشاهد باحتكار الأعيان للمجالس الجماعية ودفاعهم عن “مصالحهم الضيقة” داخلها، أشار شقير، في تصريح لجريدة “مدار21” الالكترونية، إلى “غياب ثقافة التعامل السياسي وعدم تشبع مستشاري هذه الجماعات بروح المصلحة العامة وخدمة الصالح العام والفصل ما بين ما هو شخصي وما هو عام”.
وأضاف المحلل السياسي ذاته أن “تغليب المصلحة الشخصية عن المصلحة العمومية تنمي هذه الصراعات والاشتباكات داخل هذه المجالس”، مشيرا إلى أن “بعض الأعضاء يرون في انتخابهم داخل هذه المجالس بحثاً عن تحقيق مصالح نفعية ومكاسب شخصية”.
وتابع المحلل ذاته أن “طغيان المصلحة الشخصية يجعل أي معارضة أو دفاع عن نقطة من نقط جدول الأعمال أو تدارس مشروع من المشاريع تتحكم فيه نية الاستفادة المادية وليس الغيرة على مصالح المواطنين”.
وسجل المتحدث ذاته أن “اللجوء لمثل هذه الممارسات عادة ما يؤثر على عمل المجالس ويعطل سير المشاريع”، مشيرا إلى أن “توقف الجلسات والاضطرار إلى رفعها لعدة مرات لغياب النصاب يؤخر مناقشة قضايا المواطنين”.
وبين شقير أن “هذه التصرفات ستؤدي إلى خلق أجواء مكهربة لا تساعد على التصويت الطبيعي على المشاريع مما يعطل مصالح الساكنة المحلية”، لافتا إلى أنه “في بعض الحالات تمر ولاية كاملة دون أن يتم تنزيل المشاريع المدرجة”.