على هامش النقاش الذي أثاره قانون الإضراب في ما يتعلق بالآجال والعقوبات و”قيود” الدعوة إليه، تثير مضامين التشريع الذي سينظم ممارسة هذا الحق تساؤلات حول “استمرار” التنسيقيات في تحريك الشارع عبر الاحتجاجات الفئوية التي يخوضها موظفو عدد من القطاعات العمومية.
وعلى امتداد السنوات الماضية، لم تتوقف دعوات تنسيقيات موظفي قطاعات متفرقة، وعلى رأسها التعليم والصحة والجماعات الترابية، إلى الاحتجاج وخوض الإضرابات للمطالبة بتسوية وضعاتهم الإدارية والمالية، مبرزين خروجهم عن لواء المركزيات النقابية بـ”فقدان الثقة” في هذه المؤسسات في تمثيلهم ونقل مطالبهم.
وأمام تصاعد الحركة الاحتجاجية من طرف التنسيقيات، ظلت الحكومات المتعاقبة توظف سلاح “الأجر مقابل العمل”، الذي ابتدأ العمل به مع “حكومة بنكيران” وتتشبث بعدم استدعاء ممثليهم إلى طاولة الحوار بحكم “لاقانونية” هذه التنظيمات وفقدانها للـ”شرعية القانونية”.
ولم يتضمن مشروع القانون التنظيمي للإضراب أي إشارة للتنسيقيات أو النقابات المستقلة محتفظاً للمركزيات النقابية الأكثر تمثيلية بصلاحية الدعوة إلى الإضراب، وهو ما احتجت عليه عدد من النقابات غير الممثلة بتأكيد حقها في الدعوة إلى الإضراب، مؤكدين أنه “ليست كل النقابات الموجودة في الساحة اليوم مشاركة في الانتخابات المهنية التي تنبني عليها التمثيلية”.
محمد شقير، محلل سياسي، اعتبر أن “المصادقة على هذا القانون قد واكبه خروج النقابات والتنسيقيات معاً إلى إضراب عام للتعبير عن رفض مجموعة من المواد التي تضمنها وطبيعة المسطرة التي اتبعت في مناقشته والمصادقة عليه وطالبت هذه النقابات بضرورة إعادته للنقاش في إطار الحوار الاجتماعي”.
وأضاف شقير، في حديثه مع جريدة “مدار21” الإلكترونية، أن “غياب الإجماع على هذا القانون من طرف معظم المعنيين به قد يسمح بإمكانية حفاظ التنسيقيات على نشاطها وفرض نزولها إلى الشارع”، مسجلاً “تأثير الانقسام الذي يعرفه المشهد النقابي وخضوع النقابات لإملاءات الأحزاب التابعة لها وضعف التنخيب لعدم تجديد قياداتها التي ما زالت تترأس هذه النقابات على الرغم من تجاوزها لسن التقاعد”.
وانطلق شقير من الدستور ليبرر حق التنسيقيات في ممارسة الإضراب أو الدعوة إليه، حينما أكد أن “المشرع الدستوري كفل حق الإضراب لكل المواطنين الشيء الذي يسمح لكل التنسيقيات بممارسة أنشطتها على الرغم مما ينص عليه القانون التنظيمي للإضراب”.
وتساءل المهتم بالشأن السياسي “كيف نمنع التنسيقيات من ممارسة الإضراب بمبرر عدم شرعيتها القانونية في الوقت الذي تمارس فيه النقابات أنشطتها لأزيد من 6 عقود خارج أي تنظيم يفرض القانون لغياب القانون التنظيمي للنقابات إلى اليوم؟”.
ولم يستبعد شقير استمرار ضعف النقابات بسبب تشتتها وتباعدها وتراجع الثقة فيها، مؤكدا أن “هذا الوضع سيسهل لجوء فئات من الشغيلة التي لا ترى بأن النقابات تعكس اهتماماتها وتدافع عن مطالبها إلى الانخراط في تنسيقيات للدفاع عن مطالبها الآنية والملحة”.
ورجح المصدر ذاته أن “تواصل التنسيقيات نشاطها ما دامت النقابات عاجزة عن استقطاب واحتواء هذه الفئات ونقل مطالب أعضائها إلى الحكومة والعمل على خلق آليات لضمها وإيجاد الشروط المناسبة لكي تنخرط فيها خاصة إذا ما ظلت السلطات تلجأ إلى التساهل معها وعدم اللجوء إلى قمع تحركاته”.
وأورد المحلل السياسي أنه “من الصعب أن تنفرد النقابات بحق الإضراب بحكم كونه حقاً دستورياً وأن الشارع يبقى فضاءً للتعبير عن كل الاحتياجات الاجتماعية وحتى السياسية”، مبرزاً أن “النزول إلى الشارع هو مسألة قوة، فكلما أحست التنسيقيات بشرعية مطالبها وكثرة عددها إلا ولجأت إلى الاحتجاج إما عبر الإضراب أو الاعتصامات والوقفات والمسيرات”.