الجديد نيوز
يلعب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بورقة إفريقيا “الخطرة” للالتفاف على التواجد الغربي في إفريقيا والالتفاف على عقوباته، حيث وعد دول القارة السمراء لدى افتتاحه قمة بين روسيا وإفريقيا في سان بطرسبرغ في شمال غرب البلاد، ست دول من هذه القارة بشحنات حبوب مجانية “في الأشهر المقبلة”.
وأكد بوتين في خطابه الافتتاحي الذي نقله التلفزيون الروسي “في الأشهر المقبلة سنتمكن من تأمين شحنات مجانية من 25 إلى 50 ألف طن من الحبوب لبوركينا فاسو وزيمبابوي ومالي والصومال وجمهورية إفريقيا الوسطى وإريتريا” على خلفية قلق دول إفريقية من توقف اتفاقية تصدير الحبوب الأوكرانية في البحر الأسود قبل فترة قصيرة.
وأضاف بوتين، أن “الغرب هو من يعيق تنفيذ مبادرة الحبوب رغم التزامنا التام بها”، مشددا على أن العقوبات الغربية يجب ألا تشمل توريد الحبوب.
وأكد بوتين، أن موسكو تؤيد ضم الاتحاد الإفريقي إلى عمل المنظمات الدولية وتعول على أن يصبح الاتحاد عضواً كامل العضوية بمجموعة العشرين في سبتمبر من هذا العام.
وقال بوتين خلال لقاء مع رئيس الاتحاد الإفريقي، رئيس اتحاد جزر القمر، غزالي عثماني، ورئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي، موسى فقي محمد، اليوم الخميس: “نؤيد ضم الاتحاد (الإفريقي) إلى عمل الجمعيات الدولية الرائدة”، مضيفاً: “روسيا كانت من أوائل الدول التي استجابت إيجابياً لمبادرة منح الاتحاد الإفريقي العضوية الكاملة في مجموعة العشرين”.
وتابع: “نعول على أن يتم اتخاذ هذا القرار في سبتمبر خلال قمة مجموعة العشرين في نيودلهي”. كما أشار بوتين إلى أن روسيا تنظر إلى الاتحاد الإفريقي “كمنظمة إقليمية رائدة تشكل بنية أمنية حديثة في القارة وتهيئ الظروف لضمان مكانة لائقة لإفريقيا في نظام العلاقات الاقتصادية العالمية”.
وأكد الرئيس الروسي أن بلاده مستعدة للمساعدة بكل الطرق الممكنة في تعزيز سيادة الدول الإفريقية، وللمساعدة في جعل إفريقيا أحد الشركاء الرئيسيين في نظام العالم متعدد الأقطاب الجديد، مضيفاً: “سنولي اهتماماً خاصاً لهذه القضايا خلال القمة التي تفتتح اليوم”.
منتجات روسية
تعرض كبرى الشركات الروسية منتجاتها وصناعتها في قمة “روسيا – إفريقيا”، التي انطلقت اليوم الخميس في مدينة سان بطرسبورغ بمشاركة 49 بلدا إفريقيا.
وتنوعت المنتجات والسلع الروسية المعروضة من المواد الغذائية إلى الأسلحة والمعدات العسكرية مرورا بالمروحيات والآليات الزراعية.
ويهدف المنتدى لتنويع مجالات التعاون الروسي الإفريقي، وتحديد تطور هذه العلاقات على المدى الطويل، فيما سيتم تنظيم معرض واسع النطاق، وعقد ورشات عمل في إطار المنتدى.
وتتمتع روسيا بعلاقات وطيدة مع الدول الإفريقية في ظل حضور لافت للشركات الروسية الكبرى في السوق الإفريقية، وبينها شركة “روسآتوم” التي تنفذ مشروع الضبعة النووي في مصر، أول محطة كهروذرية لإنتاج الطاقة الكهربائية في إفريقيا.
وتشمل فعاليات المنتدى الاقتصادي الإنساني “روسيا – إفريقيا” عدة محاور، من أبرزها الاقتصاد العالمي الجديد، الذي سيركز على توسيع نطاق التعاون بين قطاعي الأعمال الروسي والإفريقي والأمن والعلوم والتكنولوجيا.
أحداث النيجر
فيما يستقبل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اليوم الخميس، شركاءه الأفارقة في سان بطرسبرغ في إطار قمة روسية إفريقية، وسط مخاوف لدى دول القارة أثارها تخلي موسكو عن اتفاقية أتاحت تصدير ملايين أطنان الحبوب الأوكرانية، شدد الكرملين على ضرورة مناقشة أحداث النيجر بالقمة.
وقال الكرملين إنّه ستتم مناقشة المسألة الأوكرانية أيضاً خلال القمة الجمعة، خلال “غداء عمل بين فلاديمير بوتين ومجموعة من رؤساء الدول الإفريقية”.
دعم أفريقي
وبعدما أصبح معزولا على الساحة الدولية منذ إطلاق هجومه العسكري على أوكرانيا العام 2022، لا يزال بإمكان بوتين الاعتماد على دعم كثير من الدول الإفريقية أو حيادها.
وقال بوتين في رسالة ترحيب بعثها إلى المشاركين ونشرت الأربعاء على موقع الكرملين “نعتزم مواصلة تطوير التعاون مع الدول الإفريقية”.
وفي سان بطرسبرغ، العاصمة الإمبراطورية الروسية السابقة، يُتوقع حضور وفود من 49 دولة إفريقية تضم 17 رئيس دولة خصوصا رئيس جنوب إفريقيا سيريل رامابوزا، رغم “ضغوط غير مسبوقة” يمارسها الغربيون، وفقا للكرملين، لثني الأفارقة عن الحضور.
غير أنّ ممثلي الدول الإفريقية يستمرون بالوصول إلى سان بطرسبرغ، على غرار وفدي موزمبيق وليبيا اللذين أوردت نبأ وصولهما صباح الخميس وكالة الأنباء العامة “تاس”.
“طريق نحو السلام”
وقالت رئاسة جنوب إفريقيا في بيان الأربعاء، إن القادة سيناقشون مع بوتين إجراءات لإيجاد “ظروف مواتية لفتح طريق نحو السلام بين روسيا وأوكرانيا”.
خلال هذه النسخة الثانية من القمة، بعد نسخة أولى في العام 2019، يعقد بوتين محادثات ثنائية مع عدد من القادة، على أن يتولى الكلام في جلسة عامة.
وأوضح مستشاره للشؤون الدبلوماسية يوري أوشاكوف، أن الرئيس الروسي سيلقي “خطاباً مهماً” يعرض فيه رؤيته للعلاقات الروسية الإفريقية و”تشكيل نظام عالمي جديد”.
سيكون الموضوع الساخن في القمة تخلّي موسكو عن اتفاقية مهمة أتاحت لأوكرانيا منذ صيف العام 2022 بأن تُصدِّر، بما في ذلك إلى إفريقيا، حبوبها عبر البحر الأسود، رغم الحصار الروسي للموانئ الأوكرانية.
وفي عام واحد، سمح هذا الاتّفاق بنقل زهاء 33 مليون طنّ من الحبوب من الموانئ الأوكرانيّة، ما ساعد على استقرار أسعار الغذاء العالميّة وتجنّب خطر حصول نقص.
“أزمة الحبوب”
وحث وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن الخميس القادة الأفارقة على المطالبة بإجابات بشأن أزمة الحبوب التي أدخلت أفقر الدول في أزمة. وقال بلينكن عن القادة الأفارقة “إنهم يعرفون بالضبط من المسؤول عن الوضع الحالي”. وأضاف خلال زيارة إلى نيوزيلندا “أتوقّع أن تسمع روسيا هذه الرسالة بوضوح من شركائها الأفارقة”.
“إعادة تعريف العلاقات”
في الأيّام الأخيرة، حاولت روسيا طمأنة شركائها الأفارقة، قائلة إنّها تتفهّم “قلقهم” بشأن هذا الموضوع، ومؤكّدة استعدادها لتصدير حبوبها “مجّانا” إلى البلدان التي هي في أمسّ الحاجة إليها.
وقال فسيفولود سفيريدوف الخبير في مركز الدراسات الإفريقية في كلية موسكو العليا للاقتصاد لوكالة فرانس برس، إنّه بالنسبة إلى موسكو وشركائها، “من الضروري إيجاد أرضيّة مشتركة، وشرح وجهات النظر (…) حول القضايا الحاليّة، مثل اتفاقيّة الحبوب على سبيل المثال”.
وأضاف أنّه بشكل عام، فإنّ “الإطار الذي تتفاعل فيه روسيا مع إفريقيا تغيّر بشكل عميق”، في ظلّ جائحة كوفيد-19 والصراع في أوكرانيا. وتابع “لذا، من الواضح أنّه يجب وضع تعريف جديد (لهذه) العلاقات”.
والتقى بوتين الأربعاء رئيس الوزراء الإثيوبي أبيي أحمد، ثمّ الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، مشيداً بمشاريعهما المشتركة في مجال الطاقة.
وسعت روسيا في السنوات الأخيرة إلى تعزيز علاقاتها مع إفريقيا، خصوصاً عبر وجود مجموعة “فاغنر” المسلّحة في القارة.
وفي إشارة إلى هذا الاهتمام، قام وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بجولتين في القارة منذ مطلع السنة، في محاولة لجذبها إلى معسكر موسكو، مقدما ذلك على أنه حصن في وجه “الإمبريالية” و”الاستعمار الجديد” الغربي.
غير أنّ تمرّد فاغنر في حزيران/يونيو يلقي بظلال من الشك على مستقبل عملياتها في القارة.
ويأتي لقاء سانت بطرسبرغ قبل شهر من قمة البريكس في جنوب إفريقيا، والتي تخلّى الرئيس الروسي، الذي تستهدفه مذكّرة توقيف صادرة عن المحكمة الجنائية الدولية، عن حضورها، ما وضع حدّاً لأشهر من التكهّنات بهذا الشأن.