خلال آخر شهرين من العدوان الإسرائيلي على لبنان نالت مدينة النبطية (جنوب) حصة كبيرة من القصف المكثف الذي دمر مئات من أبنيتها السكنية، لكن ذلك لم يمنع أهلها من العودة إليها والصمود على أنقاضها.
ومنذ 27 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي يسود اتفاق هش لوقف إطلاق النار بين إسرائيل و”حزب الله”، أنهى قصفا متبادلا بدأ في 8 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، ثم تحول إلى حرب واسعة بداية من 23 سبتمبر/ أيلول الماضي.
ووفق تقرير للبنك الدولي فإن قطاع الإسكان هو الأكثر تضررا في لبنان، إذ تضرر نحو 100 ألف وحدة سكنية جزئيا أو كليا، وبلغت خسائره 3.2 مليارات دولار.
حي “السراي” في النبطية أحد أشهر الأحياء القديمة بالمدينة الشهير بحاراته وبيوته القديمة لم يسلم من القصف الإسرائيلي العنيف، ما أدى إلى دمار شبه كامل فيه.
ورغم الدمار والركام، أقام أهالي حي السراي خياما للعيش فيها إلى حين إعادة الحياة لحارتهم.
خيمة مكان المقهى
كان في الحي مقهى اعتاد الشباب على التجمع فيه يوميا للسهر والتسلية قبل الحرب، وقد تضرر بشكل كبير جراء القصف، إلا أن هذا لم يحدّ من عزيمتهم لتشييد خيمة مكان المقهى لاستمرار تجمعاتهم.
الشاب علي موسى يقول للأناضول: “حارتنا تدمّرت بشكل كبير، ولم يعد يمكن السكن في المنازل، لكننا شيّدنا خيمة ونجتمع فيها”.
ويضيف: “في حارتنا كان هناك مقهى كنا نجتمع يوميا فيه، ورغم الدمار والركام لم نغير عادتنا، لا زلنا نجتمع في المقهى ونواسي بعضنا البعض”.
فيما يقول الشاب عبد الله الشاعر إن “منازل الحي مدمرة، لكننا نحب أن نجتمع مثل الأخوة، لذا شيّدنا الخيمة بمساعدة شباب الحارة ونساند بعضنا البعض لكي نستمر بالتجمع معا”.
عيش على الركام
بينما كانت جالسة في إحدى الخيام، تقول منيفة شميساني للأناضول: “نعيش في الخيمة لنحرس حارتنا التي تدمرت بالكامل، بالوقت نفسه نجتمع معا كعائلة وجيران”.
وتردف: “لا منازل لدينا وحارتنا تدمرت، لذا نسهر بالخيمة ثم نذهب للنوم لدى أقربائنا، ورغم الدمار نعيش حياة طبيعية وسنبقى نقاوم ونعيش على الركام”.
وتكمل حديثها قائلة: “أصبت في الحرب ورغم ذلك عدت لحارتي، ولن أغادرها بعد اليوم”.
أما يوسف صباح فيسهر مع عائلته أمام ركام منزله كل ليلة، قبل أن يذهب لأحد المنازل التي أستأجرها للمبيت فيها.
يقول صباح: “القصف الإسرائيلي دمر بيتنا، ونوينا أن نسهر يوميا هنا لنثبت للعدو أننا ثابتون بأرضنا، نحن صامدون”.
ويضيف: “الحجر يتعمر، ورحم الله الشهداء والشفاء للجرحى، لكن نريد أن نوصل رسالة للإسرائيلي أننا نحب بلدنا وجنوبنا وأرضنا، وعلى ركام المنزل نعيش ونسهر ولا نترك أرضنا”.
ورغم عودة النازحين إلى منازلهم وأرضهم جنوب لبنان، يرتكب الجيش الإسرائيلي يوميا خروقات لوقف إطلاق النار، بلغ عددها حتى مساء الأربعاء 207 خروقات، أوقعت 28 قتيلا و30 جريحا، وفقا لإعلانات لبنانية رسمية.
وتنوعت الخروقات بين قصف بالطيران الحربي والمُسيَّر والمدفعية، وإطلاق نار من أسلحة رشاشة، وتفجير منازل ومبانٍ، وتحليق للطائرات المسيرة.
وخلف العدوان الإسرائيلي على لبنان 4 آلاف و54 قتيلا و16 ألفا و654 جريحا، بينهم عدد كبير من الأطفال والنساء، إضافة إلى نزوح نحو مليون و400 ألف شخص، وتم تسجيل معظم الضحايا والنازحين بعد تصعيد العدوان في 23 سبتمبر الماضي.
وردا على العدوان، أعلن “حزب الله” أنه نفذ بين 17 سبتمبر و27 نوفمبر الماضيين 1666 عملية عسكرية، قتل خلالها أكثر من 130 إسرائيليا وأصاب ما يزيد على 1250، ودمر 76 آلية عسكرية.
وتحتل إسرائيل منذ عقود أراض في لبنان وسوريا وفلسطين، وترفض قيام دولة فلسطينية مستقلة على حدود ما قبل حرب 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.