قال المحجوب السالك، أحد مؤسسي جبهة البوليساريو، أن المغرب يجب أن يكون المغرب شجاعًا، ويطبق الحكم الذاتي في الصحراء، بالتعاون مع الصحراويين الموجودين في الداخل، لأنهم أكثر عددًا من أولئك الموجودين في تندوف، اللذين أغلبهم ليسوا صحراويين حقيقيين، مفيدا أنه حينها النزاع سينتهي ولن يكون مكان للمينورسو وسيتم إخراج الملف من اللجنة الرابعة لأن الصحراء حينها يسيرها أبناؤها، مشددا على أنه إذا بقي الحكم الذاتي مجرد كلام للنقاش ستبقى القضية عالقة لسنوات طويلة.
وشدد السالك، في ندوة صحفية حول قضية الصحراء المغربية على ضوء التحولات الدبلوماسية والجيوسياسية، على أن الخيار الثاني، وهو مستحيل، ويتمثل في منح البوليساريو جزءًا من الصحراء، تحديدا وادي الذهب، لإنهاء النزاع، وهذا لن يحدث أبدا، مضيفا “لهذا، يبقى الخيار الأول هو الحل الوحيد، وعلى المغرب أن يتحلى بالشجاعة لتطبيقه، لحسم القضية نهائيا”.
أهداف تأسيس البوليساريو
وعاد المحجوب السالك بذاكرته إلى البدايات الأولى لتأسيس جبهة البوليساريو “كنا طلابا ندرس هنا في المغرب، في الثانويات والجامعات المغربية، وكنا أبناء جيش التحرير المغربي، الذي كان فيه آباؤنا، والذي تمّت تصفيته بتحالف فرنسي-إسباني، وبسكوت من المغرب في سنة 1958، فيما يُعرف بعملية إكوفيون”، مضيفا “الكثير ممن كانوا في جيش التحرير انضموا إلى الجيش المغربي، وتوفرت لنا الظروف لكي ندرس. كنا أول شباب صحراوي يتلقى التعليم في المدارس المغربية”.
وتابع السالك أنه “في سنة 1970، عندما قام الصحراويون بثورة ضد الاستعمار الإسباني في 17 يونيو، وكان زعيمها أحد أبناء بني ملال، سيدي إبراهيم بصيري، قامت إسبانيا بقمعها بشدة وقتلت بصيري، واعتقلت العديد من الناس. حينها، نحن الذين كنا طلابًا في المغرب، لجأنا إلى الدولة المغربية وإلى المجتمع المدني المغربي، وقلنا في سنتي 1971و1972، عندما كنا في الرباط: نحن أبناء جيش التحرير، ساعدونا في تحرير الصحراء”.
ويواصل المحجوب السالك “ذهبنا إلى طانطان حيث يُقام موسمها السنوي في شهر ماي 1972، حيث يأتي الصحراويون من كل مكان، من تندوف، الزويرات، موريتانيا، ومن الصحراء.. وهناك نظمنا مظاهرات وقلنا: بالكفاح والسلاح نحرر الصحراء بالأرواح.. والصحراء تصبح حرة، وإسبانيا تخرج. لكن قمعت المظاهرات بالعنف، واعتقلتنا القوات الأمنية، وعذبونا، وقالوا لنا: اذهبوا وحرروا الصحراء ولا تفتعلوا الفوضى هنا. وحينها لم يكن لدينا خيار آخر، فاتجهنا إلى تأسيس البوليساريو”.
وشدد السالك على أن الذين قاموا بتأسيس جبهة البوليساريو كانوا مغاربة لديهم بطاقة التعريف الوطنية المغربية ويدرسون بالمغرب، متمسكا بأن “الجنسية المغربية لا تسقط بالتقادم.. وعندما أسسنا البوليساريو لم يكن الهدف إنشاء دولة في الصحراء، بل بهدف تحريرها من الاستعمار الإسباني، وأنا شخصيًا، عندما غادرت، كتبت رسالة إلى والدي قلت له فيها: يا أبي، أنا ذاهب للجهاد على طريقك، ضد الاستعمار الإسباني والنصارى، من أجل تحرير الصحراء. لم أكن أهدف إلى إقامة دولة، بل إلى تحرير الأرض”.
البوليساريو بيدق بيد مخابرات الجزائر
لكن بعد ذلك، يضيف السالك “تطورت الأمور، وتدخل القذافي في المشهد، وقال: هؤلاء ثوار، لماذا لا أستغلهم وأجعلهم نواة ضد كل الأنظمة في المنطقة؟”، مضيفا ”وقال لنا أيضا: مرحبًا، سأعطيكم المال والسلاح، وكل ما تريدون. أما الجزائر، فكانت في البداية غير متدخلة، لم تمنحنا سلاحًا ولا دعمًا، لكنها سمحت لنا بالحركة داخل أراضيها، وأمدتنا بالمعلومات”.
ولفت إلى أنه “آنذاك، كانت الجزائر متحفظة بسبب الاتفاقية التي عقدتها مع المغرب في إفران بشأن الحدود الشرقية للصحراء. لكنها عندما رأت أن القذافي بدأ يسيطر على الوضع ويدخل السلاح الحديث إلى المنطقة، قررت أن تدخل بنفسها، وقالت لنا: لا تذهبوا إلى ليبيا، نحن سنعطيكم السلاح، وسندعمكم”، مفيدا ‘لم يكن ذلك حبًا فينا، بل لأنها أرادت استخدامنا كورقة ضغط على المغرب، من أجل التساهل في ملف الحدود الشرقية، وخاصة تندوف وما حولها”.
ويؤكد المحجوب السالك “كنا شبابًا صغارًا، لم نكن ندرك حجم التلاعب الدولي. لكن هدفنا كان تحرير الصحراء، وليس أي شيء آخر”، مضيفا أنه في عام 1974، أعلن الحسن الثاني أن المغرب لا بد أن يحرر الصحراء، وأنه سيتفاوض مع الحكومة الإسبانية وفرانكو لحل النزاع. حينها، الجزائر تدخلت بقوة، وقالت: لا، نحن لا نريد حربًا على الصحراء، بل نريد إقامة جمهورية صحراوية مستقلة”، مؤكدا أن “هنا، تغير مسار القضية، وفقدت جبهة البوليساريو مبادئها الأصلية”.
وأشار المتحدث ذاته إلى أن “الولي مصطفى السيد، الذي كان زعيمنا ومؤسس الحركة، لم يكن يخضع للجزائر، كان يريد مصلحة الصحراء فقط. وعندما أدرك أن القضية أصبحت أكبر منه، وأن الصحراويين أصبحوا مجرد أدوات في يد الجزائر، قرر القتال حتى النهاية، واستشهد في حربه ضد موريتانيا”.
واسترسل أنه بعد اغتيال الولي مصطفى السيد، “تدخلت الجزائر بقوة، وجاءت لنا بقائد جديد، محمد عبد العزيز، الذي لم يكن حتى من القيادات العليا في البوليساريو، بل كان مجرد إطار من الدرجة المتوسطة، عيّنته الجزائر زعيمًا للحركة، ومن هنا، فقدت البوليساريو مبادئها وقيمتها كثورة وتحولت إلى بيدق بيد المخابرات الجزائرية، هدفها الأساسي هو إضعاف المغرب، وليس تحرير الصحراء”.
وأردف أنه “منذ ذلك الحين، بدأت الانتهاكات، ووقعت الاعتقالات، وعارضنا هذا التوجه، فكان نصيبنا السجون والتعذيب. أنا شخصيًا سُجنت 8 سنوات تحت الأرض، في ظروف لا يمكن وصفها، لا دراسة، لا ضحك، لا بكاء، كان القبر أفضل منها. هناك رجال فقدوا عقولهم، وهناك من مات تحت التعذيب. وإذا كنت هنا اليوم، فذلك بفضل رحمة الله”، مشددا على أنه “تحولت القضية إلى نزاع جزائري-مغربي من أجل الهيمنة على المنطقة، وكان الصحراويون هم الضحايا”.
وذكر أنه تم استغلال القضية من طرف الجزائر وليبيا بأموالهما الطائلة ودعايتهم، وخدعوا الكثير من الدول التي لم تكن تعرف شيئًا عن الصحراء، وأقنعوها بأن البوليساريو مجاهدون، يناضلون من أجل تقرير المصير، بينما الحقيقة كانت شيئًا آخر.
اقتراب ساعة الحسم
واستدرك السالك أنه بعد مجيء الملك الشاب محمد السادس، وفتح باب الحريات ورد الاعتبار، وإعادة المغرب إلى مكانته في إفريقيا، بدأت القضية تفقد زخمها”، موردا أصبحت عبارات مثل “الغزو المغربي” و”الاستعمار المغربي” تختفي من قرارات الاتحاد الإفريقي، وحلت محلها مصطلحات مثل “النزاع في الصحراء الغربية”، و”يجب حله في إطار الأمم المتحدة”.
وأكد أنه من حينها بدأت الاعترافات بالبوليساريو تتراجع، والجزائر نفسها أصبحت في موقف ضعيف، مفيدا أن القيادة الجزائرية تدرك تمامًا أنه لا يمكن إقامة دولة في الصحراء، لأنها ببساطة لا تتوفر على مقومات الدولة، مشيرا إلى أن الاعترافات الكبرى بمغربية الصحراء، خاصة من الولايات المتحدة وفرنسا وإسبانيا، أكدت أن القضية حُسمت لصالح المغرب”، مستدركا “لم تُحسم نهائيًا، لكنها حُسمت بقدر معتبر”.
وأفاد أنه “ستُحسم القضية نهائيًا عندما ينتهي نقاش الصحراء في اللجنة الرابعة للأمم المتحدة، وعندما لا يعود هناك وجود للبوليساريو في الصحراء، وعندما يتم استرجاع كل المناطق التي توجد شرق الجدار الرملي”.