فكّك مرصد العمل الحكومي التحديات الكبرى التي تواجه الحكومة المغربية في الدخول السياسي للسنة الرابعة من ولاية الحكومة، مشدد على أن استشراء الفساد وتوفير الموارد المالية اللازمة لمشاريع الإصلاح والتنمية والتشغيل.
وأكد المرصد في ورقة سياسية بعنوان “أهداف طموحة وتحديات مقلقة” أن “حكومة عزيز أخنوش تواجه في عامها الرابع مجموعة من التحديات المعقدة التي تضع استقرار المغرب ومستقبله الاقتصادي والاجتماعي على المحك، يأتي في مقدمة هذه التحديات تفشي الفساد، الذي يُعتبر من أبرز المعيقات أمام التنمية، حيث تشير التقارير إلى أن كلفة الفساد في المغرب تتجاوز 50 مليار درهم سنويًا، مما يؤثر سلبًا على الموارد المالية للدولة وفرص تحسين مستوى معيشة المواطنين”.
“غول الفساد”.. فشل حكومي
وعدّ مرصد العمل الحكومي الفساد في المغرب من أبرز التحديات التي تواجه حكومة عزيز أخنوش في عامها الرابع ويشكل نزيفًا حقيقيًا لموارد الدولة، ويؤثر بشكل مباشر على فرص التنمية الاقتصادية وتحسين مستوى معيشة المواطنين”.
وأشار إلى أن وضع القساد بالمغرب ازداد تعقيدا مع تراجع تصنيف المغرب في مؤشر إدراك الفساد العالمي، حيث انخفض ترتيبه من المرتبة 73 إلى المرتبة 97 عالميا في غضون خمس سنوات، مما يعكس انتشارا متزايدا للفساد في مختلف القطاعات وضعف الجهود الرامية إلى محاربته.
وسجل أن الحكومة “لم تتمكن حتى الآن من تقديم تصور واضح وفعّال لمواجهة الفساد والحد من تداعياته، بل على العكس من ذلك، أشار تقرير الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها لعام 2023 إلى عدم انخراط المؤسسات الحكومية والإدارية بالشكل المطلوب في تفعيل استراتيجية محاربة الفساد التي تم وضعها منذ سنوات”.
ولفت إلى أن “التقرير يظهر غياب الالتزام الفعلي من طرف الجهات المسؤولة في تنفيذ التدابير والإجراءات الموصي بها، مما يُفاقم من انتشار الفساد ويُضعف من فعالية السياسات الرامية إلى تحسين الحكامة، ما يزيد من التحديات التي تواجهها الحكومة، حيث يضعها تحت ضغط متزايد لإيجاد حلول سريعة وملموسة تعيد الثقة للمواطنين وتساهم في تحسين مناخ الأعمال وجذب الاستثمارات”.
الموارد المالية.. تحسين الإنفاق العمومي
وأبرزت الورقة السياسية أن “زيادة النفقات الحكومية نتيجة لمشاريع الإصلاح والتنمية التي أطلقتها الحكومة تتطلب تمويلا أكبر، ما يضعها أمام تحد كبير يتعلق بإيجاد مصادر تمويل مستدامة للحفاظ على وتيرة تنفيذ هذه المشاريع دون التأثير سلبا على استقرار الميزانية العامة”.
وأضافت أن الحكومة “تواجه ضغوطا لتحقيق توازن بين الوفاء بالتزاماتها التنموية، مثل تحسين البنية التحتية ومشاريع الطاقة والماء وتطوير قطاعي الصحة والتعليم والقدرة الشرائية للمواطنين وتحسين الدخل، وبين الحفاظ على الانضباط المالي وخفض العجز، حيث يصبح البحث عن موارد جديدة مسألة ضرورية، سواء من خلال تعزيز العائدات الضريبية بطرق أكثر فعالية وعدالة، أو عبر تشجيع الاستثمارات الأجنبية المباشرة التي يمكن أن تساهم في تمويل المشاريع الكبرى، والاستفادة من التمويلات الدولية، سواء من خلال القروض الميسرة أو الشراكات مع مؤسسات مالية عالمية”.
وأكد مرصد العمل الحكومي أن “هذه الخيارات تتطلب إدارة حذرة لضمان عدم ارتفاع مستويات الديون إلى مستويات غير قابلة للاستدامة (تصل نسبة الاستدانة في المغرب إلى 69 في المئة من الناتج الداخلي الخام)، مما قد يؤثر على التصنيف الائتماني للبلاد ويحد من قدرتها على الاقتراض في المستقبل بشروط ميسرة”، مردفا “كل ذلك يجعل من الضروري تحسين فعالية الإنفاق العمومي وضمان توجيهه نحو القطاعات الأكثر أولوية وتأثيرا على التنمية، مما يساهم في تحقيق أهداف النمو الاقتصادي دون الإخلال بالتوازن المالي”.
الحماية الاجتماعية.. ضعف الإقبال وغياب الثقة
وبخصوص الحماية الاجتماعية، أكد المصدر ذاته أن الورش الذي أطلقه المغرب يعد تحديا كبيرا يتعلق بضمان الاستدامة المالية، حيث تصل كلفة هذا المشروع إلى حوالي 51 مليار درهم سنويًا، تُمول من خلال مساهمات الدولة إلى جانب اشتراكات المنخرطين.
ونبّه إلى أن تقرير المجلس الأعلى للحسابات كشف عن وجود خلل كبير في آلية تحصيل الاشتراكات، إذ إن إيرادات الاشتراكات لم تتجاوز نسبة 27 في المئة من إجمالي المشتركين المستهدفين موضحا أن “هذا الواقع يثير تساؤلات جوهرية حول مدى انخراط المغاربة في هذا المشروع الوطني، ومدى فعالية السياسات المتبعة لضمان مشاركة أوسع وشاملة.
وأبرز مرصد العمل الحكومي أن “ضعف الإقبال على الاشتراك يعكس غياب الثقة لدى فئات واسعة من المجتمع، خاصة في ظل غياب إصلاحات مرافقة تزيد من جاذبية الورش وعدالته، وهو ما لم تعالجه الحكومة بشكل كاف”، منبها إلى أن “تحسين جاذبية هذا المشروع يتطلب إجراءات فعالة تسهم في تحسين التواصل حول فوائده وتعزيز العدالة الاجتماعية بين مختلف الفئات، مما يشجع المواطنين على الانخراط والمساهمة بشكل أكبر في هذا النظام”.
وفي في السيياق ذاته إلى أنه “من دون هذه الإصلاحات، يبقى المشروع معرضا لضغوط مالية متزايدة قد تؤثر على استدامته، وهو ما يهدد بتحقيق أهدافه في تحسين الحماية الاجتماعية وتوسيع نطاقها ليشمل الفئات الأكثر هشاشة في المجتمع”.
إصلاح التقاعد.. ورش شائك وحساس
واعتبرت الورقة السياسية أن ملف إصلاح التقاعد في المغرب يشكل “أزمة معقدة تتطلب حلولا عاجلة ومستدامة”، مذكرة بأن “نظام المعاشات المدنية يواجه خطر الإفلاس بحلول سنة 2028، إذ من المتوقع أن يستنفذ هذا النظام كامل احتياطاته، مما سيجبر الدولة على ضخ ما يقرب من 14 مليار درهم سنويا للحفاظ على استمرارية صرف المعاشات لفائدة المتقاعدين”.
وأشار المصدر ذاته إلى أن الحكومة تدرك خطورة هذا الوضع، لذا أكدت من خلال اتفاق الحوار الاجتماعي أنها ستسعى إلى التوصل إلى اتفاق لإصلاح منظومة التقاعد مع الفرقاء الاجتماعيين خلال هذه السنة، مستطردا “ومع ذلك، فإن الإصلاح المطروح من طرف الحكومة يرتكز على ثلاثة مبادئ أساسية، هي: الزيادة في قيمة الاشتراكات، والرفع في سن التقاعد إلى 65 سنة، وخفض قيمة المعاشات”.
وأضاف أن “هذا التوجه يعني أن الأجراء سيتحملون بشكل شبه كامل عبء تكاليف هذا الإصلاح، وهو ما أثار رفضا واسعًا من النقابات التي ترى أن هذه الإجراءات ستؤدي إلى زيادة الأعباء المالية على العمال والموظفين، دون تقديم ضمانات كافية بشأن تحسين جودة التقاعد على المدى البعيد”.
ويزيد من تعقيد هذا الملف، وفق المرصد، عدم التوافق بين الحكومة والشركاء الاجتماعيين، مما يعزز المخاوف حول قدرة الحكومة على المضي قدمًا في إصلاح يحقق التوازن بين استدامة النظام وحماية حقوق المتقاعدين والعاملين على حد سواء، مؤكدا أنه “في ظل هذا الوضع، يبقى ملف إصلاح التقاعد ورشا شائكا وحساسا يفرض على الحكومة التعامل بحذر وتقديم تنازلات تضمن استدامة النظام دون تحميل العاملين وحدهم كلفة هذا الإصلاح”.
الماء.. أزمة تزداد تعقيدا
ومن بين التحديات الكبرى التي تنتظر الحكومة في عامها الرابع إكراهات متعددة تتعلق بملف الطاقة والماء، مما يتطلب اتخاذ إجراءات عاجلة وفعالة للتغلب عليها
وذكر المرصد أن التحول الطاقي يعتبر أحد أبرز التحديات، حيث يجب على الحكومة تقليص الاعتماد على الطاقة الأحفورية التي تساهم في عجز الميزانية، مشيرا إلى أن التقديرات تبرز أن تكاليف الطاقة التقليدية تمثل حوالي 50 بالمئة من إجمالي العجز في الميزان التجاري.
وأكد أنه لتحقيق أهداف الطاقة المتجددة، يتوجب على الحكومة العمل على هدف بلوغ 52 بالمئة من المزيج الطاقي الوطني بحلول عام 2030، وهو ما يستلزم استثمارات ضخمة تُقدر بحوالي 143 مليار درهم، ما يتطلب تحسين البنية التحتية، بما في ذلك تطوير محطات الطاقة الشمسية والريحية وتطوير عرض المغرب (الهيدروجين الأخضر)، إلى جانب توفير التمويلات اللازمة من القطاع الخاص والجهات الدولية، حيث يُعتبر جذب الاستثمارات أحد العناصر الأساسية لنجاح هذا التحول.
أما في مجال الماء، شددت الورقة السياسية أن الأزمة تزداد تعقيدا بسبب التغيرات المناخية ونقص الموارد المائية، مشيرا إلى أن “التقديرات تتوقع أن يرتفع الطلب على المياه في المغرب بنسبة 30 بالمئة بحلول عام 2030، مما يفرض ضغطا إضافيا على الموارد المائية المتاحة”.
ولمواجهة هذه التحديات، يضيف التقرير، تسعى الحكومة إلى إنشاء 36 محطة لتحلية مياه البحر بحلول عام 2030، والتي تتطلب استثمارات ضخمة تقدر بحوالي 10 مليارات درهم، هذا بالإضافة إلى مشاريع الربط المائي بين الأحواض المائية، التي تتطلب استثمارًا إضافيًا قدره 20 مليار درهم، منبها إلى أن التنسيق بين القطاعات المختلفة يعد “تحديا كبيرا في هذا السياق، إذ أن عدم التنسيق بين الوزارات المعنية يؤثر سلبا على فعالية البرامج والمشاريع المائية والطاقية، مما يستلزم ضرورة تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص”.
وأكد المصدر عينه أن تحسين ثقافة الحفاظ على الموارد الطبيعية يعد أمرا حيويا، حيث يتطلب الأمر جهودا حثيثة لزيادة الوعي حول أهمية الترشيد في استهلاك الطاقة والماء، مذكرا بهذا الصدد أن الدراسات تشير إلى أن 60 بالمئة من المغاربة لا يمتلكون المعرفة الكافية حول كيفية ترشيد استهلاك المياه والطاقة، مما يُظهر الحاجة الماسة لتكثيف الحملات التوعوية” مشددا على أن “تفعيل هذه الجهود سيساهم في تعزيز الانخراط المجتمعي ودعم الحكومة في تحقيق أهدافها الطموحة”.
وشدد على أن الحكومة “تواجه تحديات مالية ولوجستية كبيرة تتعلق بتوفير الطاقة والماء، تتطلب استجابة سريعة وفعالة لمواجهة هذه القضايا الحيوية وضمان استدامة الموارد الطبيعية في المستقبل”، مؤكدا أن “النجاح في التغلب على هذه التحديات سيُعتبر مؤشرًا على فعالية الحكومة في تحقيق التنمية المستدامة وتحسين جودة حياة المواطنين”.