قال مفكر مغربي إن حرب الإبادة التي جرت وتجري في قطاع غزة طوال عام، “اعتداء على كل الشعوب العربية والإسلامية، واغتيال حضاري لمستقبل المنطقة ومصيرها”.
وأضاف أستاذ العلوم السياسية بجامعة سيدي محمد بن عبد الله سلمان بونعمان، أن “الإبادة تهدف لعقاب المجتمع الغزاوي على دعم المقاومة (الفلسطينية)”.
كما تهدف الإبادة، حسب بونعمان، “لتجويع غزة وحصارها وقطع كل مواردها واحتياجاتها الأساسية وتدميرها وتحويلها لمكان يستحيل العيش فيه، لدفع السكان للتخلي عن المقاومة وتهجيرهم”.
وأكد أن “السحر انقلب على الساحر، فجرائم الكيان فضحته أمام العالم، رغم محاولات التضليل والتزييف التي قادتها الآلة الغربية، عبر نشر الأكاذيب الإسرائيلية للتأثير على العقل الغربي وحشد الدعم لصالح الاحتلال”.
سلمان بونعمان ألّف عدة كتب، بينها: “أسئلة دولة الربيع العربي: نحو نموذج لاستعادة نهضة الأمة”، كما أشرف على كتاب مشترك عن “القضية الفلسطينية بعد السابع من أكتوبر: الأبعاد التاريخية والتحولات الجيوإستراتيجية”.
وبدعم أمريكي، تشن إسرائيل منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، حربا إبادة جماعية على غزة خلفت أكثر من 138 ألف قتيل وجريح فلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قاتلة.
أهداف الإبادة
وقال الأكاديمي المغربي إن “الوعي بالأبعاد الفكرية والحضارية وامتلاك معرفة تاريخية وإستراتيجية، الضامن الوحيد لاستمرار النضال لأجل القضية الفلسطينية وجعلها بوصلة وطنية وإنسانية وأخلاقية للأمة الإسلامية ولكل أحرار العالم”.
وأوضح: “يمكن فهم الانتهاكات وجرائم الإبادة في غزة؛ من خلال إدراك طبيعة الفكر والمشروع الصهيوني وأساطيره التي تقوم على مقولة أرض بلا شعب لشعب بلا أرض”.
“إضافة إلى فهم رؤية المشروع الصهيوني الإدراكية للأرض وللشعب الفلسطيني، الذي يراه دون المرتبة الإنسانية، ولا يستحق سوى الإبادة والسحق والتهجير”، حسب سلمان بونعمان.
واستدل على ذلك، بما وصل إليه “الأستاذ اليهودي إسرائيل شاحاك (1933-2001) الذي تفرغ لدراسة اليهودية من الداخل وكشف معتقداتها المنحرفة اللاإنسانية تجاه الآخر (غير اليهودي)، وفتاويها العنصرية التي تقدَّم للجيش وللمشاركين بالإبادة”.
وخلص الأكاديمي المغربي إلى أن “الإبادة التي يتعرض لها أهل غزة (طوال عام)، تهدف إلى عقابهم على دعم المقاومة الفلسطينية، وتجويعهم وحصارهم وقطع الموارد عنهم، لدفعهم للتخلي عن المقاومة”.
كما تهدف الإبادة، وفق بونعمان، إلى “تدمير غزة، وجعلها مكانا يستحيل العيش فيه، لتهجير السكان والتخلص منهم بشكل نهائي، إضافة لمحاولة تفكيك بنيات المقاومة وتغيير نظام الحكم في القطاع وإدارته”.
الدعم الغربي
وعن أساس الدعم الغربي لإسرائيل، قال سلمان بونعمان، إن “الإمبريالية الغربية قامت بتأسيس الدولة الصهيونية، لتصبح قاعدة للاستعمار الغربي، تدين له ببقائها وتقوم على خدمته، فهي دولة وظيفية تابعة لتلك الإمبريالية”.
وأضاف: “كيان إسرائيل سيظل مشروعا استيطانيا، ونموذجا وظيفيا لخدمة مصالح الغرب وبرنامجه في الهيمنة الشاملة على مقدرات الأمة، وكبح مشاريع نهضتها وتوقها للحرية والتحرر والاستقلال”.
وأوضح أن “الدعم الغربي والأمريكي للصهيونية، دليل على أن الغرب لم يتخلص بعد من عقدته التاريخية والحضارية والدينية في الصراع مع الإسلام والمسلمين”.
“وتقع فلسطين في قلب هذا الصراع الديني السياسي، الذي سيحدد مصير المنطقة، ومستقبل الهيمنة الغربية، وسيؤثر في إعادة تشكيل النظام الدولي”، حسب بونعمان.
وأكد أن “ما جرى ويجري هو اعتداء على كل الشعوب العربية والإسلامية، بل اغتيال حضاري لمستقبل المنطقة ومصيرها وآمالها في السيادة والريادة والقيادة أمام مشروع الصهينة الشاملة والتفكيك الكامل وتأبيد التبعية المطلقة للغرب”.
وتابع: “ظنت إسرائيل أن الفلسطينيين يمكن القضاء عليهم بالإبادة والتهجير والحصار والتجاهل، لكن المقاومة حطمت هذه الأسطورة وفككت الخريطة الإدراكية التي تتبنى التضحية بالآخر والاستيلاء عليه والقضاء على وجوده”.
صراع السردية
وفيما يتعلق بأسس تصور الصراع الحالي، قال الأكاديمي المغربي، إنه “يدور حول السرديات” التي صارعت “محاولات التضليل والتزييف والتزوير، الذي قادته آلة الدعاية الغربية عبر نشر أكاذيب الرواية الإسرائيلية”.
وأوضح بونعمان، أن “المنظومة العلمانية الإمبريالية تنكر وجود الآخر وحقوقه، وتنكر أية قيم أخلاقية إلا القوة، فهي منظومة تستبطن فعل الإبادة داخلها ولا تؤمن بالآخر إلا كتابع أو منبهر أو منهزم أو متهم”.
وأضاف: “كما تقدم رؤيتها للمكان والأحداث والإنسان والأرض انطلاقا من تمركزها حول الذات، وإنكارها لحق الشعوب في الهوية والانتماء، وفي الوطن والكرامة والحرية”.
لذلك، فرغم هذه الرؤية “وهذا التزييف والكذب لآلة الدعاية الغربية، للتأثير على العقل الغربي، وحشد الدعم لصالح الكيان المحتل، انقلب السحر على الساحر، إذ إن سياسات الكيان وجرائمه فضحته أمام العالم”، وفق الأكاديمي المغربي.
وتابع: “في غزة تبخرت وعود الحداثة وقوانينها وقيمها التي ادعت نشر السلم بين الأمم بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، وأظهرت سياسات العدوان والحصار والتجويع وحشية وعنصرية ونازية الإبادة في النموذج الغربي”.
هذا الانقلاب في التصور أدى، حسب بونعمان، إلى “تنامى الدعم الشعبي الغربي، كانتفاض الجامعات وبعض النخب النزيهة، لتعود السردية الفلسطينية إلى الفضاء الأوروبي والأمريكي من جديد”.
كما أدى إلى “انتعاش كل أشكال التضامن والاحتجاج، للمطالبة بوقف الحرب ودعم الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة وحقوقه المشروعة”، وفق الأكاديمي المغربي.
وانطلاقا من هذا الانقلاب، أكد أن “أوجاع غزة تمنحنا فرصة تاريخية للتحرر من حداثة مزيفة ملطخة بالدماء ورائحة الأشلاء وآلام الجرحى والجوعى، حداثة مادية متوحشة ولدت الاستعمار والهيمنة والتبعية والتجزئة”.
النخب العربية
واستنكر سلمان بونعمان، اختيار نخب فكرية وأكاديمية عربية ما أسماه بـ”الحياد السلبي” و”الصمت” تجاه الإبادة الجماعية في غزة، وذلك باسم “الموضوعية الباردة، أو المصلحة المنغلقة”.
وأرجع ذلك إلى أن بعض هؤلاء النخب “وظف قدراته المعرفية، وأدواته البحثية، لتبرير الاحتلال الإسرائيلي، بتحميل المقاومة الفلسطينية المسؤولية عن الجرائم البشعة وغير المسبوقة”.
وشدد على أن “هذا الخطاب أصبح جزءا من مشروع التطبيع الهادف للصهينة الشاملة بالمنطقة، ما أفقدها المصداقية العلمية والأخلاقية في تحيزها للظلم والاستكبار العالمي أو انكماشها عن إبداء أي انحياز أخلاقي للمظلومين”.
هذا يؤكد، وفق بونعمان، أن “جزءا من الخطاب السياسي والإعلامي والأكاديمي العربي المتصهين، قد أصيب بحالة مرضية وانحراف فكري، يروج لخطاب لوم الضحية المُقاوم، صاحب الأرض والحق، ويتهمه بأنه مصدر المعاناة”.